الخبير التربوي د. تامر شوقي يكتب: الضغوط  المستقبلية وإدارتها بشكل تأهبي فعال

0 622

الضغوط النفسية هي إحدى حقائق الحياة الثابتة،  ولا يوجد إنسان علي وجه الأرض لا يعانى الضغوط، وهي تنتشر فى  الحياة اليومية، سواء بين الأولاد أو البنات، أو بين الأطفال أو الشباب أو كبار السن،  وتسود فى جميع مجالات الحياة؛ فى الأسرة،  وفى الشارع، وفي المدرسة،  وفي الجامعة، وفي العمل،  وتزداد   حدة  الضغوط النفسية التى يتعرض لها الأفراد  إلى حد أن العصر الحالي يوصف بأنه “عصر القلق والضغوط”.

 

وفي السنوات الأخيرة – ومع ظهور علم النفس الايجابي – تغير اهتمام علماء النفس من التركيز علي الضغوط النفسية  التي وقعت للشخص بالفعل إلي الضغوط النفسية المستقبلية التي من المحتمل أن تقع له في المستقبل ( مثل احتمال الإصابة بمرض ما، أو الاستعداد لامتحانات  أخر العام المقبلة  بالنسبة لطلاب الثانوية العامة، أو الاستعداد للزواج في المستقبل بالنسبة لطلاب الجامعة وغيرها).

  حيث تتطلب مثل  هذه الأحداث الإعداد لها من الآن ومواجهتها بشكل تأهبي لتلافي الآثار السلبية الناتجة عن عدم الاستعداد لها بشكل كاف؛ فمعظم الأمراض مثل السكر والقلب وغيرها تنتج عن عدم اتباع عادات صحية ورياضية وغذائية سليمة قبل إصابة الفرد بها، وغالبية حالات الرسوب في الامتحانات تنتج عن عدم استعداد الطالب قبلها بوقت طويل، كما أن الكثير من حالات تأخر الزواج تنتج عن عدم الاستعداد للزواج وتوفير تكاليفه المادية منذ وقت طويل.

والضغوط المستقبلية تتسم ببعض الخصائص مثل   أنها من السهل  توقعها ، وتعتبر تحديًا رئيسًا لأهداف الشخص في المستقبل، بينما تمثل تهديداً ضئيلاً  له في الوقت الحالي لعدم وقوعها بالفعل،  كما تعتبر مبهمة إلى حد ما ( فالطالب لا يدري مدي سهولة أو صعوبة الامتحانات  القادمة مثلا)، وقد تحدث هذه الضغوط  في وقت  ما  أو لا تحدث مطلقاً ( فقد يتجنب الفرد الإصابة بمرض السكر رغم وجود تاريخ عائلي للإصابة به في ضوء اتباعه العادات الصحية السليمة منذ زمن طويل).

ويجب الوضع في الاعتبار أن ليست كل الأحداث الضاغطة  المستقبلية  يمكن تجنبها أو قابلة للوقاية منها مثل وفاة شخص عزيز،  أو الكوارث الطبيعية، وغيرها، ومع ذلك  يختلف  الأفراد في درجة استعدادهم لإدارة تلك الأحداث ومواجهتها بشكل تأهبي.

والمواجهة التأهبية هي  قدرة الفرد على توقع الضغوط المستقبلية،  وإعداد نفسه للتعامل معها  من خلال بذل الجهود المناسبة قبل أن تقع بشكل فعلي، وبالتالي الوقاية من تأثيراتها الضارة، وليس مجرد الاستجابة لها في صورة رد فعل بعد أن تقع.

 

وتتميز المواجهة التأهبية للضغوط المستقبلية ببعض الخصائص مثل أنها  مركزة علي التعامل مع الأحداث الضاغطة المحتملة قبل أن تقع ( مثل المرض) أو  علي تحقيق أهداف  الفرد المستقبلية (مثل توفير تكاليف الزواج)، تشتق دافعية  الفرد فيها بشكل موجب من خلال  تقييمه المواقف الضاغطة باعتبارها مثيرة للاهتمام والتحدي، وتُستخدم عندما يكون  الضغوط  في مستويات دنيا، وتتيح للفرد عددًا كبيرًا من البدائل لإدارة الأحداث الضاغطة التي لا تزال تلوح في الأفق، وتقلل من تعرض الفرد للضغوط الكاملة،  وترتبط بالصحة الجسمية، والنفسية الأفضل، المواجهة المبكرة لمشكلة ما فى سياقها تحقق نجاحاً أكبر، كما أنها تعتبر مواجهة إقدامية ونشيطة دائماً وليست تجنبية، وتتعامل مع المشكلة في ذاتها ولا تتهرب  منها.

 

وأخيرا فإن الضغوط المستقبلية ومواجهتها بشكل تأهبي  يجب ألا يقتصر فقط علي الأفراد، بل يمتد إلى  المجتمعات والدول، فالدول المتقدمة هي التي تتوقع مشكلاتها المستقبلية وتتعامل معها قبل أن تقع.

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق