العِدَّة.. وأحكام المُعتدَّة في الإسلام

 تُعرّف العدّة في الاصطلاح الشرعي- كما يقول الشيخ محمد عبدالمنعم مدير إدارة بوزارة الأوقاف- بأنّها: فترة زمنية تتربّص بها المرأة تعبّداً لله تعالى، وتفجّعاً على زوجها، وتأكّداً من براءة رحمها وخلوّه من الحمل، والعدّة أثر من الآثار المترتّبة على الطلاق أو وفاة الزوج، وقد ثبتت مشروعيتها في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية، وفي الإجماع كذلك، فمن الآيات التي اشتملت على ذكر العدّة في القرآن الكريم قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا).

 وللعدّة أنواعٌ ثلاثة كما يشير موقع (موضوع.كوم)؛ أوّلها: العدّة بالقروء، وثانيها: العدّة بالأشهر، وثالثها: العدّة بوضع الحمل، فهي لمن وقع عليها الطلاق ثلاثة قروءٍ، لمن يأتيها حيضها باستمرار، وهي وضع الحمل لمن كانت حاملاً عند الطلاق، وهي ثلاثة أشهر لمن بلغت سن اليأس، فلا يأتيها الحيض، وللصغيرة والتي لم تحض بعد، أمّا عدّة من توفّى زوجها عنها، فإن كانت حاملاً فعدّتها إلى أن تضع حملها، وإن لم تكن كذلك كانت عدّتها أربعة أشهرٍ وعشرة أيام

 في حالة الزواج الصحيح، تبدأ عدّة المرأة عند لحظة الطلاق، أو الوفاة، أو الفسخ، وتنقضي وإن لم تعلم المرأة بحدوث أحد الحالات الثلاثة السابقة، كمن طلّقها زوجها، أو توفّى عنها وهي حامل ولم تعلم بذلك إلّا بعد أن وضعت، فتكون العدّة حينها قد انقضت، وفي حالة أنّ الزواج فاسداً؛ فإنّ العدّة تبدأ عند التفريق بين الزوجين، وفي حالة الوطء بشبهة؛ كمن تزوّج أخته من الرّضاع؛ فإنّ عدّتها تبدأ من آخر وطء وقع بينهما، وعَلِمَا بعده أنّها لا تحلّ له، وتعتدّ المرأة التي توفّي عنها زوجها في بيتها الذي كانت تعيش فيه في حياته، فإن انتقلت منه لخوفٍ أو قهرٍ فلها أن تعتدّ في المكان الذي تأمن فيه على نفسها، أمّا المطلّقة بطلاقٍ رجعيّ فعدّتها تكون في بيت زوجها، ولا يجوز إخراجها منه إلّا إن فعلت فاحشةً مبيّنةً، كأن تقول أقوالاً أو تفعل أفعالاً يتضرّر منها أهل البيت، أمّا المطلّقة طلاقاً بائناً، أو كانت مخلوعةً، أو مفسوخةً؛ فإنّها تعتدّ في بيت أهلها.

  الحِكمة من العدّة شرع الله -تعالى- العدّة، وأمر المرأة بها لحِكمٍ عديدةٍ، منها ما يتعلق بحقّ الله تعالى، ومنها ما يتعلّق بحقّ الزوج، ومنها ما يتعلّق بحقّ الزوجة أو الولد، وفيما يأتي بيان بعض تلك الحِكم:

 التأكّد من براءة رحم المرأة؛ حتى لا يحصل اختلاط في الأنساب. تمكين الرجل من مراجعة نفسه، والتفكير مليّاً إن كان قد طلّق زوجته طلاقاً رجعياً، فلعلّه حينها يعدل عن الطلاق، ويراجع زوجته. تعظيم شأن الزواج في الإسلام، فهو لا يُعقد إلّا بشروطٍ ولوازمٍ معينةٍ، وكذلك لا يتم نقضه وفكّه إلّا بتريّث وتأنٍّ وتفكيرٍ. احترام ما كان بين الزوجين من معاشرةٍ، فلا تنتقل مباشرةً إلى شخصٍ آخرٍ، بل بعد انتظارٍ وتمهّلٍ. حفظ حقّ الحمل إذا كانت المرأة حاملاً.

أحكام المعتدّة

شرع الله -تعالى- أحكاماً خاصّةً تتعلّق بالمعتدّة أثناء عدّتها، وبيان بعضها فيما يأتي:

تحريم خِطبة المعتدّة، فلا يجوز لأي أحدٍ أن يخطبها صراحةً في فترة عدّتها، فهي إن كانت معتدّة عن طلاق رجعيّ، كانت في حكم الزوجة، وإن كانت معتدّة عن طلاق بائن، أو عن وفاة زوجها، فإنّ بعض آثار الزوجية لا تزال باقية عليها، وفي عدّة الطلاق لا يجوز التعريض بالخطبة أيضاً، إلّا إن كان طلاقاً بائناً بينونةً كبرى، فيجوز حينها التعريض بالخِطبة كما يجوز في حال الوفاة. تحريم الزواج بالمعتدّة، فلا يجوز لرجل غير الزوج أن يعقد على المرأة المعتدّة؛ لكونها في حال الطلاق الرجعيّ في حكم الزوجة، وفي حال الطلاق البائن أو الوفاة، فإن بعض آثار الزوجية لا زالت متعلّقة بها، فإن تزوّجت في أثناء العدّة رجلاً غير زوجها كان الزواج بينهما باطلاً.

حرمة الخروج من المنزل إلّا لعذرٍ أو ضرورةٍ، سواءً أكانت مطلّقة طلاقاً رجعياً، أو بائناً، أو متوفي عنها زوجها، أمّا إن كان خروجها لضرورةٍ؛ كطلب الطعام، أو الدواء، أو الخوف على نفسها، أو غير ذلك من الأعذار المقبولة؛ كان ذلك جائزاً. وجوب النفقة على الزوج خلال فترة العدّة إن كانت لطلاق رجعيّ؛ لأنّها ما تزال في حكم الزوجة، وكذلك إن كانت مطلقة طلاقاً بائناً وهي حامل، أمّا إن كانت غير حامل فليس عليه النفقة لها، وإن كانت معتدّة عن وفاة زوجها فليس لها نفقة في ماله كذلك؛ لانتهاء الزوجية بالموت، وعليها أن تقضي العدّة في بيت الزوجية.

 وجوب الإحداد على المرأة التي توفّي عنها زوجها طيلة فترة عدّتها؛ أي مدّة أربعة أشهرٍ وعشرة أيام، ويكون ذلك باجتنابها كلّ ما يدعو إلى خِطبتها، أو نكاحها؛ كالزينة، واللباس، والتطيّب. ثبوت حقّ الإرث في مدّة العدّة، ويكون ذلك في عدّة المطلقة طلاقاً رجعياً، فإن ماتت هي أو زوجها في فترة العدّة، كان لهما حقّ الإرث من بعضهما؛ وذلك لبقاء الزوجية بينهما، أمّا إن كان طلاقاً بائناً، ومات أحد الزوجين خلال فترة العدّة، لم يكن للآخر حقّ الإرث منه، إلّا في حال كان الطلاق واقعاً أثناء مرض الزوج دون رضا الزوجة بذلك، كان لكلٍّ منهما أن يرث الآخر إن مات. يثبت للزوج نسب مولود زوجته المعتدّة عنه، سواءً أكانت معتدّة عن طلاق رجعيّ، أو بائن، أو عن فسخ، أو عن وفاة.

 

 

Comments (0)
Add Comment