انهيار الإمبراطورية الأمريكية

     بقلم: د. أيمن السيسي

لست شيوعيًا ولم أكن أحب اليسار، ولا أحب أمريكا، ولا أؤمن مطلقًا أن المجد للغرب، ولم أهوى ثقافة الجينز، ولم أتناول الهامبورجر ولا الـ”كنتاكي” .. ولذلك حزنت يوم رأيت رسومًا -على جدران بيت ثقافة باريس في الوادي الجديد- لميكي ماوس، وبطوط، وميمي، كحزني يوم غزو الأمريكان للعراق، أو الحرب على غزة، فبدأت أجمع  فلكلور الصحراء من حكايات وحواديت وأساطير وأمثال وأغاني في الواحات من الخارجة شرقًا وحتي نواكشوط غربًا، في محاولة لحفظ تراثنا لمواجهة العولمة والتغريب، لأنني أنتمي إلى الشرق وأحبه من أفغانستان وحتي طنجة، وأميل إلى رفقة أبناء قومي منهم (مسيحيين ومسلمين) وأحب الكوشيين ومنهم السهاوا، وأحب والزغاوة، والتبو، والطوارق، والفولان، والفور، والسوننكي، والصنغي، والأمازيغ، وأقربهم إلى قلبي صنهاجة أصل الفوارس والمجاهدين مثل طارق بن زياد، وأبو بكر، ويحيى بن عامر، ويوسف بن تاشفين،  أهل الحضارة والمجاز.

 

وآرائي في حرب أوكرانيا -كما أظن- أنها تعبر عن نفوس كثيرة  في الوطن العربي وإفريقيا والشرق عامة، ممن قاسوا ويلات الاحتلال (فرنسي – إنجليزي – إيطالي –  ألماني – إسرائيلي – أمريكي)، وعانينا منذ عام 1990 من تداعيات السقوط المروع للإتحاد السوفيتي، وقبله تم إسقاط الدولة في رومانيا، وإعدام شاوشيسكو، وتلاه إسقاط الدولة في الصومال، وإغراء صدام بغزو الكويت ثم احتلال العراق وأفغانستان، وما تلا ذلك من تخريب وهدم الدولة العربية في تونس، وليبيا، وسوريا، واليمن، ومحاولاتهم في مصر لولا بسالة الجيش وحكمة المشير طنطاوي (رحمة الله عليه).

 

وأظن أن ذلك كاف للإجابة على سؤال: لماذا تبدو متحيزًا لروسيا وكارهًا لأمريكا وأوروبا، وهنا أستعين بالمثل القديم “ما ييجي من الغرب حاجة تسر القلب”. وهذا العداء ليس فطريًا وإنما أسبابه متعددة وهو ما اعترف به قبل مماته زبجينيو بريجينسكي، مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق بقوله: “أصبحت مشاعر العداء للولايات المتحدة هي القاسم المشترك بين معظم شعوب العالم، كما تراجعت مصداقيتها، وفقدت سمعة قدراتها العسكرية”. وإذا قرأنا في التاريخ عن الإمبراطوريات العظمي، عمرها، وكيف سقطت، فالإمبراطورية الرومانية هي الأطول عمرًا حيث عاشت أكثر من سبعة قرون  على مساحة 5 مليون كيلومترًا، والإمبراطورية الفارسية عاشت سبعة قرون، وكانت مساحتها 8 مليون كم. أما الخلافة العباسية فقد امتدت على مساحة 11 مليون كم واستمرت ستة قرون، والخلافة الفاطمية سيطرت على مساحة 4 مليون كم وعاشت  أكثر من مائتي عام، والخلافة العثمانية امتدت على مساحة 15 مليون كم واستمرت  سبعة قرون، وسقطت كلها بعد فترات اضمحلال وترهل، وهو أمر حتمي حسب صيرورة التاريخ ودوراته. ودائمًا ما يحدث الانهيار نتيجة تملك وهم القوة من قادة هذه الإمبراطوريات، بل ومن شعوبها أيضا، بعد أن تصل إلى أقصى درجات الرفاهية والقدرة والعلم -حسب معطيات عصر كل إمبراطورية أو خلافة- فيحدث الاسترخاء، وهو ما جاء في القرآن الكريم في سورة يونس “حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ” آية 24، وإذا كان الاضمحلال والسقوط في الأزمنة القديمة يستغرق سنوات طويلة مثلما كان المسافر من دمشق إلى روما يستغرق أسابيع، فإن سقوط الدولة العثمانية استغرق ما يقرب من مائة عام مثلت عصر الاضمحلال والتردي، حتى تم إلغاؤها رسميًا عام 1924، وقتها كان المسافر من مصر إلى فرنسا بالبحر يستغرق عشرين يومًا، ولكن معطيات عصرنا الحالي والتطور السريع في التحديث والإنجاز جعل المسافة لا تستغرق أكثر من 60 ساعة، وجعل  السقوط سريعًا للدول العظمى، فها هي إمبراطورية السوفيت التي امتدت على مساحة  أكثر من 22 مليون كم، وظلت إحدى  القوتين العظميين لسبعين عاما اضمحلت في خمس سنوات، هي فترة حكم  جورباتشوف -وإن كان لها مقدمات- وسقط الاتحاد السوفيتي.

 

لذلك، فإن أمريكا التي شاخت أصبحت على حافة الهاوية، وأراها قد أخذت من الزمن ومن كل شئ ما يكفيها ويزيد عما تستحق، ولهذا أرى أنها مقبلة على السقوط ثم التفكك. وقد تنبأ بريجنسكي بانهيارها، وتنبأت به أفلام هوليوود بطرق مختلفة. ولمن يقول أن أمريكا تمتلك قوة هائلة واقتصادًا كبيرًا يحميها من السقوط .. أقول: صحيح أنها دولة كبرى وتمتلك مقومات عدة ومتنوعة، ولكن عدد سكانها 333 مليون وهو يمثل عبء كبير أيضًا، فضلاً عن أنهم تشكيلة غير متجانسة من البشر، وإنما خليط من بقاع شتى، وأعراق عدة، لا يجمع بينهم سوى حلم الثراء، ورغبة الرفاهية، والعداء للجميع، وهناك أسبابًا كثيرة لهذا السقوط المحتمل منها استمرار الحرب وتوسعها في أوروبا، وجر أمريكا لها، ولكن في بحر الصين الجنوبي، ومنها أيضًا ظهور التضخم المفرط الناجم عن طباعة البنك المركزي الأمريكي للدولار الذي ليس له غطاء فعلي من الذهب. وقد يحدث ما سيؤدي إلى انهيار اقتصادي، فالعقوبات التي فرضتها أمريكا على روسيا -في ظني- ستضرها أكثر خصوصًا وأن الصغار في منطقتنا ممن أخطأت في تقدير انصياعهم المُذل شبوا عن الطوق وعارضوا زيادة إنتاج النفط، وهناك آخرون  سيخرجون من حظيرة أمريكا ويقفزون من قاربها خلال الشهور القادمة، وجر أمريكا للحرب وارد جدًا، ولكن توقيته بيد الله وسيحدث من ثم انهيار لاحق للبلاد. ومن المرجح تبادل السيطرة على مجلس الشيوخ الأمريكي ومطالبة بعض الولايات بالاستقلال عن الاتحاد الفيدرالي الذي تأسس في سنة عام 1776، وأشار إلى أن دستور الولايات المتحدة يعطي كل ولاية الحق في طلب الانفصال عن الاتحاد الفيدرالي وظهور  أصوات داخل ولاية كاليفورنيا تطالب باستقلال الولاية.

 

   وقد انطلقت من كاليفورنيا حملة «كاليفورنيا وطنًا»، الشهيرة باسم «كاليكست» وحصلت على ترخيص من الحكومة المحلية في الولاية للبدء بجمع التوقيعات للمطالبة باستقلال الولاية عن الولايات المتحدة الأمريكية. ونجحت هذه الحملة في جمع أكثر من 600 ألف توقيع من سكان الولاية. صحيح أنه رقم قليل بالنسبة لعدد السكان فيها -37 مليون- لكنه يعبر عن حالة نفسية في البلاد. وقد ذهب الفين توفلر، المفكر الأمريكي المعروف في كتابه الأخير “صدمة المستقبل” إلى حدوث انهيار وتفكك للولايات المتحدة الأمريكية، ووصل الأمر بصحيفة كبيرة مثل «واشنطن بوست» إلى أن تنشر تحليلاً عنوانه «ترامب قد يدخل التاريخ باعتباره آخر رئيس للكونفدرالية». ولكن يبدو أن “بايدن” قد يكون هو الأخير أو قبل الأخير.
Comments (0)
Add Comment