واقع الأمن القومي العربي وآفاقه المعاصرة

بقلم/ نجلاء صلاح مأمون
         باحثة في العلاقات الدولية
ما زال الحديث عن أمن قومي عربي نسعى إليه ونناضل من أجله، وأصبح شائكا نظرًا للوضع الخاص الذي يعيشه العالم العربي، فإن الأمن القومي العربي يعيش أخطر مراحل التهديد، حيث أن دول الجوار الثلاث (إسرائيل، وتركيا، وإيران) لا تحسن الجوار، لذا، وكما يسميها الدكتور أحمد يوسف أحمد (دول المحيط)، لأن كل من الدول الثلاث تمارس أدوارًا تبادلية في ضرب الأمن القومي العربي، كما يحدث في سوريا، وليبيا، والسودان، والعراق، ولبنان، وفلسطين، وحوادث الإرهاب التي طالت دول الخليج العربي، كلها نتاج لممارسات دول المحيط الثلاث لضرب الوطن العربي. فالتحديات التي تواجه الأمن القومي العربي تشكل المصادر الرئيسية لتهديده هي بالضرورة تحديات ومصادر خارجية، أي من خارج العالم العربي ككل، وهناك تحديات ومصادر داخلية، أي من داخل العالم العربي.

 

ولا يخفى أن وجود الكيان الصهيوني، وهو العدو المحوري الأول في قلب الوطن العربي له أهداف توسعية وعدوانية مهددة لأقطار الوطن العربي، ناهيك عن التهديدات العسكرية الإسرائيلية المباشرة، وهى تمارس سياسات القوة العسكرية تجاه الشعب الفلسطيني الأعزل، كما تقوم بتضييق الخناق على الأقطار العربية المحاذية لها مباشرة مثل سوريا، ولبنان، والأردن، ومصر، وتمارس سياسة العصا والجزرة للتغلغل في الوطن العربي فتوقع اتفاقيات اقتصادية، وتقنية، ومعلوماتية في مجالات أخرى مع بعض الدول الخليجية مستغلة فزاعة إيران وتهديدها للأمن القومي الخليجي، وكذلك استمرار الغطرسة الإسرائيلية والأحداث الدامية في فلسطين ما تدفع الوطن العربي إلى مزيد من التفكير في تحليل الواقع العربي، ومن ثم النظر بعمق للأمن القومي العربي.

 

أما إيران فلها أذرع في الوطن العربي “حزب الله” الذراع السياسية الأبرز لإيران في لبنان، وحركة “حماس” في فلسطين التي يقول معارضوها بأنها الورقة التي تستخدمها طهران لتعزيز الانقسام الفلسطيني الداخلي، إضافة إلى ميليشيات عسكرية منتشرة في أفغانستان، وباكستان، والعراق، وجماعة الحوثيين في اليمن، وتتواصل مع الأقليات الشيعية في دول الخليج العربي كالسعودية والبحرين لإثارة القلاقل وضرب الأمن والسلم الاجتماعي فيها، كما تهاجم جماعة الحوثيين في الموانيء الملاحية في الخليج، والمنشآت النفطية والحيوية في السعودية والإمارات، ناهيك عن التهديد النووي الإيراني فهو بالدرجة الأولى تهديد أمني خطير لدول مجلس التعاون الخليجي.

 

وعن تركيا وحلم عودة الدولة العثمانية الجديدة، فقد أصبح من المؤكد أن تركيا تسعى إلى رسم خريطة جديدة على الحدود مع سوريا تمكنها من تنفيذ مشروعها التوسعى فى المنطقة، والهادف إلى قضم مزيد من الأراضي السورية، بعد أن دعمت الميليشيات المسلحة وأمدتها بالمال والسلاح لمحاربة الجيش العربي السوري. ومن يتابع ما قامت به تركيا منذ احتلالها أراض سورية عام 2016 حتى الآن يرى أنها عملت على “تتريك” المنطقة، بفرض اللغة والليرة التركية في الأراضي التي تحتلها في سوريا، كما تسعى إلى تمزيق وحدة الأراضي الليبية واستخدام الإرهابيين المرتزقة لتهديد أمن الشعب الليبي، وأليس الرئيس التركي هو من أرسل جيشه للقتال في ليبيا تحقيقًا لطموحات عثمانية، وهو من طالب بتعديل اتفاقية “لوزان” عندما يحل عام 2023.

 

إن الأمن القومي العربي يختلف وفق الامتداد الجغرافي والأبعاد الجيو-سياسية في ربوع الوطن العربي، فالجوار الجغرافي لإيران مع دول الخليج، وحلمها بعودة ما يُسمى بالخليج الفارسي، ودعمها للشيعة يجعلها تصر دوما على استمرار تهديدها لدول الخليج العربي رغم أن أمنها الإقليمى يرتبط بأمن دول الخليج العربي نفسه. كما أن إسرائيل تُعد العدو المحوري الأول في انتهاك حقوق الإنسان العربي في الأراضي المحتلة بفلسطين.

 

إن مفهوم الأمن القومي العربي لا يقتصر فقط على الأبعاد العسكرية والجغرافية، بل له أبعاد أخرى تتعلق بوحدة اللغة، والتعايش، والأعراق، والملل والنحل، التي تتجاور في ربوع الوطن العربي، وصون العقيدة، وحماية القيم الاجتماعية، وتماسك الأسرة العربية. ولا يخفى أن هناك محاولات مستميتة لضرب هذه المضامين عبر الجدل الدائم في قضايا محورية ثابتة أو خلافية.

 

ومما سبق، فإن الأمن القومي العربي لن يتحقق بين يوم وليلة، وإنما لابد أولاً من صناعة المواطن العربي بوصفه الركن المؤتمن على الأمن القومي العربي وتحريره من الجهل والأمية والفقر والحاجة، ولابد من العمل على تحقيق الوحدة الوطنية لكل قُطر عربي، وإزالة الانقسامات العربية، ووضع رؤية استراتيجية للتكامل بين الأقطار العربية.
Comments (0)
Add Comment