دكتور شعبان التهامي يكتب: صوموا .. تصحوا
ما أبلغ الحديث الشريف بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (صوموا تصحوا). فقد لخص الحديث الشريف الفائدة العظيمة من الصيام الذى فرضه الله تعالى على كل البشر واختص المسلمين بصيام شهر رمضان المعظم بل وجعل صيام هذا الشهر الكريم الركن الرابع من أركان الإسلام الخمسة مما يدل على أهمية الصيام لصحة الجسم البشرى. وبالفعل أثبتت الأبحاث العلمية المتعددة أهمية الصيام والامتناع عن الطعام والشراب لفترات محددة، فلا شك أن الطعام الزائد يرهق أجهزة الجسم وبالتالي فإن الصيام يخفف من هذا العبء الثقيل على الأجهزة.
آليةالاستشفاء بالصيام
ترجع آلية الاستشفاء من الأمراض بالصيام إلى أن تجويع الجسم يجعله يبحث عن مصدر للطاقة بديل للطعام فيلجأ إلى التغذية على سكر الدم (الجلوكوز) وبعده يتجه إلى استهلاك الدهون المخزنة في الجسم للحصول على الطاقة، وخلال هذه العمليات المعقدة التى يقوم بها الجسم أثناء الصيام يتم التخلص من السموم وتتجدد الأنسجة التالفة، كما يعزز الصيام جهاز المناعة الذى يقاوم الأمراض، كما يساعد فى مكافحة العديد من الأمراض وخاصة أمراض القلب والأوعية الدموية وأمراض الجهاز الهضمي، وكذلك يعمل الصيام على مكافحة الأورام السرطانية.
الصيام وأمراض القلب والأوعية الدموية
إن الصيام يعمل على تنقية الجسم من السموم وكذلك يرفع كفاءة الجهاز المناعي، فالجسم يصبح أكثر قدرة على مقاومة الأمراض ويقلل من فرص الإصابة بها وخاصة أمراض القلب. فقد ثبت أن صيام أكثر من ١٤ ساعة فى اليوم يوفر حوالي ١٠% من كمية الدم التى يضخها القلب لمختلف أعضاء الجسم مما يعطى راحة للقلب والأوعية الدموية ويحسن من حالة القلب.
فإن الصيام لا يؤثر سلبياً على مرضى القلب الذين يتمتعون باستقرار حالتهم الصحية بل إن للصيام فوائد إيجابية على مريض القلب وهى أن استهلاك الدهون المخزنة في الأوعية الدموية يقلل من فرص الإصابة بانسداد الأوعية الدموية وبالتالي يقلل من حدوث الجلطات وأيضاً يسهل من اندفاع الدم فى الأوعية إلى أجهزة الجسم.
نصائح للمرضى حتى يمكنهم الصيام دون حدوث أية مضاعفات:
– الإفطار على الشوربة الخفيفة ويفضل شوربة الخضار.
– تناول الطعام الصحي الذى يعتمد على الخضروات والفواكه.
– الابتعاد عن المقليات والدهون والمسبكات.
– عدم الإكثار من السكريات.
– ضرورة شرب كمية من الماء معتدلة ما بين الإفطار والسحور.
– ضرورة ممارسة الرياضة البسيطة وهى رياضة المشى حتى يسهل سريان الدم فى الأوردة والشرايين.
نظاماً غذائيا لمريض القلب خلال الصيام
– إفطار تمهيدى بعد آذان المغرب عبارة عن حساء دافئ ومشروب معتدل السكر.
– أما الإفطار الأساسي بعد نصف ساعة يكون عبارة عن السلطة الخضراء والبروتينات والنشويات والبقوليات بكميات قليلة حتى لا تضر بصحة المريض.
– بعد ذلك يتناول المريض وجبة ثالثة عبارة عن فاكهة أو حلويات بسيطة.
– وأخيرا وجبة السحور والتى لا تخلو من الزبادى أو اللبن الرايب بالإضافة إلى كمية من الفول المدمس الذى يشعر المريض بالشبع خلال فترة الصيام.
علما بأن هذا النظام الغذائي لا ينفع المريض فقط بل هو من أفضل الأنظمة الغذائية للأصحاء لإراحة المعدة وجميع أجهزة الجسم.
الصيام ومرضى الجهاز الهضمي
يعتبر الصيام علاجا فعالا فى كثير من أمراض الجهاز الهضمي كالقولون العصبي وما يصاحبه من انتفاخ وغازات وكذلك الإسهال أو الإمساك وأيضاً اضطرابات حركة الأمعاء. إلا أنه يؤثر بشكل سلبي على مرضى قرحة المعدة وينصح الأطباء بإعطاء أدوية الحموضة في السحور لتجنب أى مضاعفات على المعدة.
أما مرضى الكبد الذين يتعرضون لمضاعفات خطيرة نتيجة الصيام فلا يصح أن يجازف المريض بحياته فلا بد أن يستجيب لنصائح الطبيب المعالج إذا كانت حالته الصحية تسمح له بالصيام أم لا؟ ولا يتعارض ذلك مع الآراء الفقهية حول الإفطار في رمضان لأن الدين يسر وقد سمح لنا الله تعالى برخصة الإفطار فى حالة المرض والسفر.
الصيام ومرضى السرطان
يختلف قرار الصيام فى حالة مرض السرطان حسب نوعيته ودرجة انتشاره والمرحلة العلاجية التى وصل إليها المريض. فالمريض الذى يتناول علاجا كيماويا مكثفا فى المستشفى وكذلك الذى يتعاطى علاجا متكررا لا يسمح له بالصيام. أما المريض الذي يتعاطى العلاج الكيماوي على فترات متباعدة فيمكنهم الصيام والإفطار يوم تعاطي الجرعة.
مريض سرطان الدم (اللوكيميا) مثلاً يُمنع من الصيام بسبب تعرضه لهبوط الدم وقلة المناعة ونقص نسبة الهيموجلوبين والصفائح الدموية. وفى كل الأحوال يجب على مريض السرطان الإفطار بسرعة فى حالة تعرضه لأى أعراض جانبية
وعلى الجانب الآخر يري بعض الأطباء أن للصوم تاثير إيجابي على مرضى السرطان من حيث أنه يزيد من فاعلية بعض أدوية السرطان.
وخلاصة القول إن الطبيب المعالج وحده هو الذى يقرر هل يصوم المريض أم لا ويجب على المريض الذى يريد الصيام أن يتبع تعليمات الطبيب من حيث العلاج والبرنامج الغذائي الذى يضعه له ويتضمن الخضروات والفواكه وكذلك البروتينات والمواد السكرية حتى يعطى الجسم القدرة على الصمود واستكمال الصيام.
وأخيرا، فإن الصيام من أعظم العبادات التى فرضها الله تعالى على عباده، قال تعالى: (كُتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون).
فما أجمل هذا الشهر الكريم الذي تصح فيه الأبدان وتسعد الأنفس ويغفر الله تعالى لعباده الصائمين والقائمين ما تقدم من ذنوبهم. فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”.
