قد لا تملك إلا حياتك .. لكنها تكفي لتصنع بها الخلود .. في زمن تراجعت فيه المعاني الكبيرة وباتت البطولة تقاس بعدد المتابعين لا بعدد المواقف.
ظهر اسم خالد شوقي، سائق شاحنة الوقود ليعيد تعريف الرجولة في أبسط وأصدق صورها. رجل بسيط، يخرج كل صباح ليؤدي عمله ويعود في المساء كأي رب أسرة يحمل همّ العيش ويخفي تعبه تحت صمت الكادحين لم يكن أحد يتوقع أن يتحول هذا الاسم العادي إلى قصة تروى ورمز تتناقله الأجيال.
لم يسعَ إلى البطولة لكنه اختار الصواب حين وقفت الحياة بين يديه تحترق، في لحظة فارقة، حين اشتعلت النيران في شاحنته المحملة بالوقود كان بوسعه أن يقفز منها ويهرب لم يكن ليلومه أحد لو أنقذ نفسه لكن خالد لم يهرب ولم يبحث عن مخرج لنفسه، بل عن مخرج لنجاة الناس “ومن أحياها” وبحس فطري بالمسئولية أدرك أن انفجار الشاحنة في موقعها يعني كارثة كبرى فقادها – وهي تشتعل – بعيدا عن المدينة وعن البشر والبيوت.
في كل ثانية من تلك الرحلة القصيرة والطويلة كان يقترب من الموت لكنه لم يتردد ولم يطلب أو ينتظر شيئا كان قلبه وعقله يفكر فى سلامة وأمن الناس والأطفال والمباني العامرة التي ربما تختفي لو انهارت الشاحنة في قلبها.
انفجرت الشاحنة في منطقة معزولة ورحل خالد. لكن ما تبقى منه كان أكبر من مجرد جثمان كان أثرًا خالدًا واسمًا كُتب في سجل الشجاعة بماء الذهب. لم يحمل سلاحا ولم يكن جندي مقاتل لكنه واجه النار بقلب مؤمن صادق ودفع حياته ثمنا لسلامة الآخرين. اختار الصعب بصمت ومضى وأدى واجبه الوطنى دون أن ينتظر تحية أو تكريم. في زمن كثر فيه الكلام وقلّ الفعل.
أصبح خالد شوقي يمثل درسًا عمليًا في الشجاعة والخلق الرفيع، لذلك فإن أقل ما يمكن أن يُقدَّم لهذا البطل هو أن يُخلد اسمه أن تُسمّى مدرسة في بلدته باسمه ليظل حيا في ذاكرة الأجيال، ويعرف الأطفال أن البطولة الحقيقية ليست في ألعاب الفيديو جيم، بل في مواقف الحياة الصادقة التي تبرز وتعيد تعريف الرجولة.
خالد شوقي لم يكن مضطرا، لكنه فعل. لم ينتظر المجد، لكنه ناله. لم يتكلم، لكنه قال كل شيء بالفعل. ولأن المواقف العظيمة لا تُقاس بحجم الصوت بل بحجم التضحية. فإننا نقف اليوم أمام قصة رجل بسيط أعاد تعريف البطولة، والرجولة، والإنسانية. حقا، الأسطورة الحقيقية لا تُصنع من الشهرة بل من الشجاعة.
خالد، سيبقى اسمه علامة وسيبقى فعله منارة وسيبقى هو الأسطورة الحقيقية التي مرّت من هنا وأنقذت مدينة.