جائحة كوفيد-19 تؤجج الشغف بالعود في مصر
إعداد/ محمد الجالي:
في انتظار بدء درس العزف في مركز لتعليم الموسيقى في الجيزة (غرب القاهرة)، يجلس ميسرة محمد منحنيا على عوده ويعزف من الذاكرة لحنا سودانيا يحمله بعيدا عن صخب وباء كوفيد-19 الذي يملأ العالم.
حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، جاء هذا المهندس المولع بالموسيقى من الخرطوم إلى القاهرة في سبتمبر خصيصا من أجل إتقان العزف على العود في هذا المعهد الذي افتتح في أوج أزمة فيروس كورونا المستجد. ويقول محمد إن دورته التدريبية كان موعدها في الأصل “في فبراير ولكن مع كورونا توقف كل شيء وتمكنت من البقاء في القاهرة فترة أطول لكي أكرس كل وقتي للعود”.
وتوفر المدرسة تدريبات على سبع آلات، غير أن العود هو الآلة التي تحظى بأكبر اهتمام بلا منازع، وفق روماني ارميس مؤسس المعهد. ويوضح هذا العاشق للموسيقى الذي يعزف العود، أن المركز يضم “15 طالبا لكل آلة ولكن لدينا قرابة 25 طالبا لدروس العود بما يشمل أولئك الذين يدرسون عبر الإنترنت.
وتؤكد مدرّسة العود هاجر أبو القاسم أن غالبية التلاميذ مبتدئون، وهي فخورة بوجود “أربع بنات” يتعلمون العزف على هذه الآلة التي يشكّل الرجال أكثرية عازفيها.
ويحتل العود الذي اخترع قبل الاف السنين، موقعا مركزيا في الموسيقى العربية التقليدية القائمة على المقامات. وظل لفترة طويلة آلة مرافقة، إلا أنه خرج من الظل شيئا فشيئا منذ نهاية القرن التاسع عشر.
ويلاحظ صانع العود خالد عزوز الذي يعمل في المجال منذ 25 عاما، (حماسة كبيرة)، على تعلم العود منذ بدء انتشار الفيروس، مع زيادة غير مسبوقة في الطلب.
ويدير عزوز أكبر ورشة لتصنيع العود في مصر، في حي المرج (شمال القاهرة) ويعمل فيها 32 شخصا. وتوفر الورشة الآلات للفرع المصري لـ”بيت العود”، وهي مدرسة لتعليم العزف لها فروع عدة في العالم العربي.
آلة تترجم المشاعر
وتنتج ورشته 750 عودا في الشهر تصدّرها إلى 12 دولة، من السويد الى تونس، مرورا بالولايات المتحدة والسعودية التي باتت أكبر زبائنها منذ 2017. ويقول بسعادة “مشكلة العود أنه ينبغي التدريب على عزفه 3 او 4 ساعات يوميا. وعادة الناس لا يجدون وقتا، لكن منذ ظهرت كورونا كل الناس يشعرون بالملل في بيوتهم (…) ويتصلون بي عبر الانترنت لطلب” آلات.
وسجلت مصر رسميا أكثر من 125 ألف إصابة بفيروس كورونا المستجد، بينها حوالى 7100 وفاة. وقد رفعت البلاد أكثرية القيود التي فُرضت في الأشهر الأولى من انتشار الوباء. ورغم اعتبار أرميس أن فتح مركز لتعليم الموسيقى في زمن كورونا “نجاح”، لكن كانت للفيروس بعض الآثار على صناعة العود.
ويوضح عزوز أن (توقّف الشحن كان له أثر)، على استيراد الأخشاب اللازمة لصناعة العود خلال الشهور الممتدة من مارس الى يوليو، ما أدى الى خفض الانتاج.
ويقول عزيز “نحن نصنع العود من الألف الى الياء، ولكن ليس في مصر غابات لذلك فكل الأخشاب هنا مستوردة” من الهند والصين وافريقيا وأميركا الشمالية. ويؤكد محمد من جهته أنه كان دوما منجذبا للقاهرة “مثل المغناطيس”، مشيرا الى أن “كل العازفين الذين برزوا كانوا في مصر او في العراق مثل (محمد) القصبجي و(رياض) السنباطي” وهما ملحنان وعازفان مصريان شهيران ارتبط اسماهما بأغاني أم كلثوم. ويتابع “أعزف على أربع آلات ولكن العود هو المفضل لدي لأنه آلة نحتضنها وتترجم ما بداخل المرء من مشاعر”.
وفي المعهد، تقرر ألا يزيد عدد الذين يتدربون في كل غرفة عن طالبين لأسباب صحية، ويحرص أرميس على تهوية المكان بشكل دائم. ولذلك، يؤكد أرميس، “يأتي الطلبة وهم يشعرون بالأمان ويتخلصون من همومهم عبر الموسيقى”. ويضيف بفخر “لقد صمدنا” في وجه الوباء.