إعداد- سلمى باسم المحامية:
الزواج أساس المجتمع وهو مسئولية اجتماعية مشتركة بين أفراد المجتمع ، وقد حث الإسلام على الزواج ورغب فيه لما له من فوائد دينية واجتماعية وصحية ونفسية عكس العزوبية. فالزواج يساعد على إحصان الفرج وغض البصر وحفظ الدين والأخلاق، وفيه الأجر الكبير والثواب العظيم بامتثال أوامر الله ورسوله، ويحقق الرفقة والصحبة بين الزوجين وتتحقق به الذرية الصالحة، كما أن من ثمراته حصول الأجر فى تربية الأبناء والنفقة عليهم، وبالزواج تنشط العلاقات الاجتماعية وتقوى صلة المحبة والألفة بين الناس.
قال الله تعالى (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21). وقال تعالى: (وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (النور:32). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج)، ولأهمية الزواج اعتبره رسول الله (ص) نصف الدين فقال: (إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين، فليتق الله فى النصف الباقى)، وقال (ص): (ثلاث حقٌ على الله عونهم، المكاتب الذى يريد الأداء والناكح الذى يريد العفاف والمجاهد في سبيل الله) الترمذى وغيره.
فالزواج واجب على الرجل عندما يكون قادر على النفقات الزوجية، ويكون عادلاً بين أهله، ويعف نفسه ويصونها عن الحرام.
والزواج محرم على الرجل الذى لا شهوة له، أى غير قادر على المعاشرة الجنسية، أو ذهبت شهوته بكبر أو مرض أو حادث، إلا إذا رضيت الزوجة بذلك، وكذلك محرم على الرجل الذى لا يستطيع القيام بحقوق الزوجة، لتأكد حصول الضرر على الزوجة أو الأولاد.
والزواج مستحب إذا كان يستطيع إعفاف نفسه ومنعها عن الحرام بدون زواج، وكذلك يستحب إذا نوى بالزواج إعفاف نفسه أو زوجته، أو لتكثير أمة محمد صلى الله عليه وسلم باتباع سنته في الزواج ، أو الرغبة في الزواج في الثواب العظيم وغير ذلك من المصالح.
قال صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع ، لمالها وجمالها وحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك) متفق عليه ، وقال (ص): (خير النساء التى تسره إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه فى نفسها ولا مالها بما يكره) الصحيحه، وقال (ص): (الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة) رواه مسلم وغيره ، فالزوجة الصالحة تعين الرجل على طاعة الله ورسوله وتوفر له الحياة الهانئة السعيدة، ويأمنها على شرفه وعرضه وماله، وتحترم زوجها وتعرف له حقوقه وفضله.
وحُكم الزواج يختلف باختِلاف الشخص وقدرته الجسمانية والمالية واستعداده لتحمل المسئولية، وقد ذكر العلماء أن الحكم الشرعى للنكاح ينقسم إلى خمسة أقسام: واجباً، ومستحباً، وحراماً، ومكروهاً، ومباحاً.
النكاح الواجب: وذلك فى حق الشخص الذى يخاف على نفسه من الوقوع المحظور إن ترك النكاح، فيجب عليه النكاح فى قول عامة الفقهاء، لأنه يلزمه إعفاف نفسِه، وصونها عن الحرام، وذلك واجب على المسلم.
النكاح المستحب: وذلك فى حال وجود الشهوة مع عدم الخوف من الوقوع فى الحرام، فمن كانت هذه حاله استحب له النكاح، كما ذكَر العلماء أن الاشتغال بالنكاح وتحصيلِه أَولى من التخلى لنوافل العبادة.
النكاح المباح: فى حال عدم الشهوة والميل إليه، مثل نكاح الكبير والعنين (الذى لا ينتصب)، وقد يكون مكروها فى هذه الحالة، لأنه يفوت على المرأة غرضاً من أغراض النكاح، لأن أغراض النكاح ومقاصده من تحصيل الأُنس والمودة والسكنى والنفقة.
النكاح المُحرم: عندما يكون الشخص غير قادر على المعاشرة الجنسية أو النفقات المالية والتى ستؤدى إلى نتائج سلبية على وجود الجور فى المعيشة الزوجية. وفى حق المسلم إذا كان فى دار كُفار، لأن فيه تعريضاً لذريته للخطر واستيلاء الكُفار عليهم، ولا يأمن على زوجته منهم.
النكاح المكروه: إذا خاف الجور ومنع الزوجة حقوقها، أو كان لا شهوة له ويعوقه النكاح عن العبادة المستحبة.
أهمية الزواج
الزواج سُنة الحياة وقد رغب الله ورسوله فيه، فمن تزوج فقد أدى نصف دينه، فليتق الله فى النصف الباقى، ويختلف حكم الزواج بحسب أحوال الشخص، فإنه من الأحكام المهمة التى اعتنت بها الشريعة الإسلامية، إذ هو من سنن المرسلين، وجاءت النصوص الكثيرة فى القرآن الكريم والسُّنّة النبوية مُبينة لمكانة هذا العقد وأهميته، وأجمعت الشرائع السماوية على مشروعيته.
وتتعدد آراء المذاهب الأربعة فى فرض الزواج وحكم النكاح:
فعند المالكية قالوا: يفترض النكاح على من له رغبة فيه ويخشى على نفسه الزنا إذا لم يتزوج ولم يستطع كف نفسه بالصيام وليست له قدرة على شراء جارية تغنيه عن زواج الحرة. ففى هذه الحالة يفترض عليه الزواج، ولو كان عاجزاً عن الكسب من حلال فيفترض النكاح بشروط ثلاثة: الأول: أن يخاف على نفسه الوقوع فى الزنا، الثانى: أن يكون عاجزاً عن الصيام الذى يكفه عن الزنا أو يكون قادراً على الصيام ولكن الصيام لا يكفه، الثالث: أن يكون عاجزاً عن اتخاذ أمة تغنيه، فإذا كان قادراً على الزواج وعلى الصيام الذى يمنع شهوته من الطغيان وعلى اتخاذ أمة كان مخيراً بين واحد من الثلاثة ولكن الزواج أولى. ويكون النكاح حراماً على ومن لم يخش الزنا وكان عاجزاً عن الإنفاق على المرأة من كسب حلال أو عاجزاً عن وطئها فإذا علمت المرأة بعجزه عن الوطء ورضيت فإنه يجوز، وكذا إذا علمت بعجزه عن النفقة ورضيت فإنه يجوز بشرط أن تكون رشيدة أما إذا علمت بأنه يكتسب من حرام ورضيت فإنه لا يجوز.
النكاح عند الحنفية: قالوا: يكون الزواج فرضاً بشروط أربعة: الأول أن يتيقن الشخص الوقوع فى الزنا إذا لم يتزوج أما مجرد الخوف من الزنا فإنه لا يكفى فى الفرضية كما ستعرف. الثانى أن لا يكون له قدرة على الصيام الذى يكفه عن الوقوع فى الزنا، فإن كانت له قدرة على صيام بمنعه من الزنا فإنه يكون مخيراً بين ذلك الصيام وبين الزواج فلا يفترض عليه الزواج بخصوصه فى هذه الحالة. الثالث أن لا يكون قادراً على اتخاذ أمة يستغنى بها فإنه يكون مخيراً أيضاً. الرابع أن يكون قادراً على المهر والإنفاق من كسب حلال لا جور فيه فإن لم يكن قادراً لا يفترض عليه الزواج حتى لا يدفع محرماً بمحرم لأن الكسب الحرام فيه اعتداء على أموال الناس بالغش أو السرقة أو الزور أو الغصب أو نحو ذلك، وذلك من الجرائم التى لا يتسامح فيها معنى ذلك أن الشخص إذا عجز عن كسب الحلال فلا يتزوج ويباح له الوقوع في الزنا كلا بل معناه أنه في هذه الحالة يفترض عليه محاربة نفسه وشهوته محاربة شديدة ويزجرها زجراً كبيراً حتى لا يقع في الزواج الذي يترتب عليه أكل أموال الناس وظلمهم عملاً بقوله تعالى: (وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم اللّه من فضله) هذا وإذا كان يمكنه أن يقترض المهر والنفقة الحلال فإنه يفترض عليه أن يتزوج ليفر من الوقوع في المعصية بقدر ما يستطيع.
وعند الشافعية: قالوا: الأصل فى النكاح الإباحة، فيباح للشخص أن يتزوج بقصد التلذذ والاستمتاع، فإذا نوى به العفة أو الحصول على ولد فإنه يستحب. ويجب النكاح إذا تعين لدفع محرم كما إذا خافت المرأة على نفسها من فاجر لا يصده عنها إلا التزوج فإنها يجب عليها أن تتزوج. ويكره إذا خاف الشخص عدم القيام بحقوق الزوجية كالمرأة التى ليست لها رغبة فى النكاح وليست له قدرة على المهر والنفقة فإنه يكره له النكاح، فإن كان قادراً على مؤونة النكاح وليست به علة تمنعه من قربان الزوجة – فإن كان متعبداً – كان الأفضل له أن لا يتزوج كى لا يقطعه النكاح عن العبادة التى اعتادها وإن لم يكن متعبداً – كان الأفضل له أن يتزوج احترازاً من أن تدفعه الشهوة إلى الحرام فى وقت ما أما إذا كانت له رغبة فى النكاح وكان قادراً على مؤونته فإنه يستحب له. هذا والمراد بالنكاح هنا بالنسبة للرجل قبول التزوج فهو الذي يستحب له أو يجب الخ، وبالنسبة للمرأة الإيجاب لأنه هو الذى من طرفها بواسطة الولى.
حكم النكاح عند الحنابلة: قالوا: يفترض النكاح على من يخاف الزنا إذا لم يتزوج ولو ظناً سواءً أكان رجلاً أم إمرأة، ولا فرق فى هذه الحالة بين أن يكون قادراً على الإنفاق أو لا، فمتى قدر على أن يتزوج ليصون نفسه عن الحرام فعليه أن يتزوج ويسلك سبيل العمل الحلال الذى يرتزق منه مستعيناً باللّه تعالى وعلى اللّه معونته. ويحرم النكاح فى دار الحرب إلا لضرورة فإذا كان أسيراً فإنه لا يباح له الزواج على أى حال. ويكون سنة لمن له رغبة فيه ولكنه لا يخاف على نفسه الزنا سواء رجلاً أم امرأة وهو في هذه الحالة يكون أفضل من النوافل لما فيه من تحصين نفسه وتحصين زوجه والحصول على الولد الذي تكثر به الأمة ويكون عضواً عاملاً في بناء المجتمع.
ويرى الدكتور عبد العزيز فتحى سمك، أستاذ ورئيس قسم الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق، جامعة القاهرة، أن الخالق سبحانه جعل استمرار النوع الإنسانى على الأرض منوطاً بالتزواج، ويهيئ الزواج لكل من الرجال والنساء متعة من أعظم متع الدنيا، وهذه المتعة تنقسم إلى قسمين: سكن وراحة نفسية، وإمتاع ولذة جسدية. والسكن إلى المرأة يشمل سكن النفس وسكن الجسم والمودة والرحمة من أجمل المشاعر التى خلقها الله، فإذا وجد ذلك كله مع الشعور بالحل والهداية إلى الفطرة ومرضاة الله سبحانه وتعالى كملت هذه المتعة ولم ينقصها شىء، وقد ساعد على ذلك بالطبع الأصل الأول للخلق، وغريزة الميل التى خلقها الله فى كل من الذكر والأنثى للآخر وابتغاء هذا المتاع، والسكن بالزواج مطلوب شرعاً، والاستمتاع بالنساء. فالمتع الجسدية والنفسية تعمل عملها فى نفس الإنسان وفكره وقواه النفسية والبدنية فيشعر بالرضا والسعادة والراحة النفسية والجسدية حيث تتصرف طاقته وغريزته بأنظف الطرق وأطهرها وحيث ينشأ بين الزوجين الوفاء والحب الحقيقى القائم على الود والرحمة والمشاركة، لا ذلك الميل الحيوانى القائم على تفريغ الشهوة وبلوغ اللذة دون وجود الوفاء والرحمة. فمشاعر الزناة والزوانى لا يمكن أن تكون كمشاعر الأزواج والزوجات، فالأولى مشاعر حيوانية شهوانية حدها محدود بوجود هذه اللذائذ الحسية ومنته بانتهائها، ولا يمكن أن يكون فيها ومعها أى شعور بالاحترام والود والوفاء بل على العكس من ذلك، هناك شعور بالاحتقار والازدراء والامتهان احتقار الزوانى لمن وافقته على عمله الخبيث، واحتقار الزانية لمن استغل حاجتها أو جمالها أو ضعفها الأنثوى وميلها الطبيعى.
ولذلك فمشاعر الزناة والزوانى متضاربة، ساقطة، ومشاعر الأزواج منسجمة سامية، وتلك المشاعر تولد العقد النفسية والانحلال الخلقى وضعف الوازع وهوان النفس، وأما مشاعر الأزواج النظيفة فإنها تورث الحب والرحمة وسمو النفس وحياة الضمير والقلب، وباختصار مشاعر الأزواج بَناء، ومشاعر الزناة والزوانى مشاعر هدم. ولذلك سُمى الزواج فى الإسلام بَناء. حيث إنه بناء نفسين وبناء أسرة. والشاهد من هذا كله أن متع الزواج الحسية والنفسية من خير ما خلق الله من متاع لعباده فى الدنيا، وابتغاء هذا المتاع وفق تشريع الله وهديه من الأسباب التى توصل إلى مرضاة الله سبحانه. ولذا فأبعد الناس عن الأمراض النفسية والعصبية هم أهل الاستقامة فى هذا الشأن وأقرب الناس إلى الأمراض النفسية والعقد والامتهان هم أهل الانحراف والفساد. ولذلك فالمجتمع السليم في أفراده ذكوراً وإناثاً هو مجتمع الزواج الشرعى، وبغير ذلك مجتمع انحراف.
والنسل الذى يصلح لعمارة الأرض وخلافتها وسكناها هو النسل الذى يأتى بطريق نكاح لا بطريق سفاح، فالنسل السوى هو نسل النكاح. وأما نسل السفاح فهو مسخ يشوه وجه الحياة ويشيع فيها الكراهية والمقت. ولا يغيب عن بال قارئ مثقف فى عصرنا ما يعانيه العالم الآن من أولاد السفاح الذين خرجوا إلى الأرض بأجسام بشرية وبنفوس حيوانية مريضة ملتوية، قد فقدت الحنان فى طفولتها ولم تعرف الأرحام والأقارب فغابت عنها معانى الرحمة.
وأخيراً، هناك أربعة أهداف يجب الأخذ بها قبل الإقدام على الزواج: النسل، والاستمتاع، وبلوغ الكمال الإنسانى، والمشاركة لبناء الحياة.