بقلم/ ملك عبدالله سمرة – باحثة أثرية
بمرور الزمن وعوامل الطبيعة يتهدم كل شئ، ولكن يبقى تاريخه وأثره عالقاً في الأذهان، نذكر منطقة من أهم مناطق محافظة الشرقية المبهمة، التي كانت معبر للعذراء مريم، ومكاناً لتقديس القطط، الأ وهي منطقة “تل بسطة“ التي عُرفت في اللغة المصرية القديمة باسم “باستيت” على إسم المعبودة التي تصورت في صورتي القطة الوديعة واللبوءة، وهي معبوده المرح، وكانت “تل بسطة” عاصمة للإقليم الـ18 في الدولة المصرية القديمة، أما في عهد الأسرة 22 أصبحت “تل بسطة“ عاصمةً لجميع الأقاليم، وعرفت باسم “بر باستت“، ثم حُرفت الكلمة حديثا لتصبح “تل بسطة”.
تحتوي منطقة “تل بسطة” على آثار من العصر اليوناني والروماني. وكانت المنطقة بمثابة المركز الديني، وإحدى أهم العواصم في مصر القديمة، نظرًا لموقعها من مدخل مصر الشرقي، حيث واجهت العديد من الفاتحين والغزاة.
تل بسطة وصفها “هيرودوت” بأعظم مدن مصر
منطقة “تل بسطة” كانت المعبر والمقر المؤقت للسيدة مريم العذراء ووليدها المسيح “عليهما السلام” وقت قدومهما إلى مصر، ودخلت العائلة المقدسة مدينه تل بسطا (بسطة) بالقرب من مدينه الزقازيق بمحافظة الشرقية، والتي تبعد عن القاهرة بحوالى 100كم من الشمال الشرقى، وفيها انبع السيد المسيح عين ماء، وكانت المدينة مليئة بالأوثان، وعند دخول العائلة المقدسة المدينه سقطت الأوثان على الأرض، فأساء أهلها معاملة العائلة المقدسة، فتركت تلك المدينة وتوجهت نحو الجنوب، وقد استلقوا واحدة من المعجزات في هذا التل، حيث استقر كلاً من السيدة مريم ويوسف النجار ويسوع المسيح بأرض “تل بسطة” وظلت تبحث عن الماء، ولصعوبة الحصول عليه، وحيرة السيدة البتول، ظل الطفل المسيح يواسي أمه ورسم على الأرض دائرة، وإذا بها تتحول لبئر، شرب منه أهل المنطقة والعائلة المقدسة.
ضمّت المدينة معبد الآلهة “باستت” رمز الحب والخصوبة وهو “جوهرة بوباستيس المعمارية” الذي جرى تشييده في عهدي الملكين خوفو وخفرع من الأسرة الرابعة. واشتهرت “تل بسطة” بالمهرجانات التي أُقيمت على شرف “باستيت” التي جذبت المصريين في العصور القديمة، حيث كانوا يفدون إلى “بوباستيس” ويحتفلون بالغناء والرقص ويقدمون قرابين للإلهة. وقد ذكر المؤرخ “هيرودوت” أنه بالرغم من وجود معابد أخرى أكبر وأعظم، فإنه لا يوجد واحدًا من هذه المعابد يسر الناظر برؤياه أكثر من معبد “باستت”.
كما توجد خارج مدينة الزقازيق أطلال المدينة القديمة، والتي كانت تُقام بها العديد من المهرجانات قديمًا على شرف الآلهة، إذ يُقال إن بعض تلك المهرجانات جذبت أكثر من 700 ألف من المحتفلين بالآلهة “باستت”، يغنون ويرقصون ويحتفلون بالآلهة ويستهلكون كميات كبيرة من النبيذ ويقدمون قرابين لها. وصارت “بوباستيس” عاصمة للبلاد خلال عام 945 قبل الميلاد، في عهد الملك “شيشنق الأول” مؤسس الأسرة الثانية والعشرين، ثم خُربت المدينة بعد ذلك بنحو 600 عام على يد الفرس. تبع فترة تشييد معبد “باستيت” قيام الملوك العظام من بعد “خوفو” وخفرع” من الأسرة السابعة عشر والثامنة عشر، والتاسعة عشر، والأسرة الثانية والعشرين بوضع أبنيتهم وإضافاتهم على المعبد على مدى نحو 17 قرنًا من الزمان.
من أهم الآثار المكتشفة في “تل بسطة” معبد للملك “بيبي الأول” أول ملوك الأسرة السادسة، بالإضافة إلى تمثال “ميريت آمون” والذي يُعرف باسم تمثال “كارو ماما”، أكبر تمثال عثر عليه في الوجه البحري ككل، وطوله 9 أمتار ووزنه 63 طناً مصنوع من حجر الجرانيت الوردي الأكثر صلابة جاء عن طريق فرع النيل البوباسطي، من محاجر جبال السلسلة بأسوان، وتظهر خلاله الملكة ترتدي رداء حاجب طويل ضيق شفاف يظهر جسد الملكة الرشيق وتمسك بيديها اليمنى علامة “الميكس” وبيدها اليسرى زهرة اللوتس، وهو تمثال ثلاثي.
عاصمة مصر القديمة ومعبر السيدة مريم العذراء
يقع معبد الآلهة “باستيت” بين قناتين تحيط بهما الأشجار وتطوقه المدينة التي كانت مبنية على مستوى أعلى من مستوى المعبد، مما كان يسمح برؤيته بوضوح من مختلف أنحاء المدينة نظرًا لأنه كان يقع أسفلها على مستوى أقل ارتفاعًا مع بداية عمل البعثة الألمانية لمصر فى منطقة آثار تل بسطة عام 2001، فقد جاءت فكرة إنشاء المتحف من أجل جمع آثار المنطقة القديمة ونتائج أعمال الحفائر التى تقوم بها البعثات المصرية والأجنبية، بالإضافة إلى ضم بعض من مقتنيات متحف آخر له، وتصل عدد القطع الأثرية لـ 1000 قطعة من متحف الريت رزنا بجانب نتاج حفائر “تل بسطة”. المتحف يضم تمثال “ميريت آمون” زوجة الملك رمسيس الثانى، من الأسرة الـ18، كما يضم تماثيل التراكوتا، وعددا من المسارج وموائد للقرابين ومساند للرأس، وأوانى لأحشاء المومياوات.