مدى شرعية اتفاقية “سيداو”
بقلم/ د. خليل سامى مهدى
ظهرت في الآونة الأخيرة ما يُسمى بتحذير للدول الإسلامية مضمونها الآتي: (يحاربون الإسلام عن طريق الاتفاقيات التي تخالف شرعنا، وأن بعض الدول بدأت بالموافقة على اتفاقية “سيداو” المناهضة لكافة أشكال التفرقة والتمييز ضد المرأة. وبأن مصر قد وافقت على هذه الاتفاقية، ولم توافق عليها السودان). ولا يخفى ما يمكن أن يؤدي إليه ذلك من تأليب للأوضاع في بلدنا مصر حماها الله من الفتن “ما ظهر منها وما بطن”، ولكون الأمر تكرر بشكل مقلق، فقد ارتأيت ضرورة توضيح اللبس المتعمد الذي وُضعت مصر فيه.
إن الدول الموقعة على اتفاقية سيداو (20) دولة عربية، هي (مصر، والمغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا، ولبنان، والأردن، والسعودية، والعراق، والكويت، واليمن، وجزر القمر، وموريتانيا، والإمارات العربية المتحدة، وجيبوتي، والبحرين، وسوريا، وسلطنة عمان، وقطر، وفلسطين)، أما السودان فلم توقع عليها. هذه الاتفاقية وُضعت بهدف القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وقد اعتمدتها الجمعية العامة وعرضتها للتوقيع والتصديق والانضمام بقرارها 34/180 المؤرخ في 18 ديسمبر 1979، وهي مكونة من 30 مادة دخلت حيّز التنفيذ في 3/9/1981، وتدعو إلى إلغاء أي تمييز ضد المرأة، في الميادين السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية أو في أي ميدان آخر.
وقد تحفظت الدول العربية على بعض المواد من تلك الاتفاقية، منها:
مادة (2): بشأن حظر التمييز في الدساتير والتشريعات الوطنية، وقد تحفظت عليها الدول الآتية: (مصر، والعراق، والجزائر، وليبيا، والبحرين، وسوريا).
مادة (7) :بشأن الحياة السياسية العامة، وقد تحفظت عليها دولة الكويت.
مادة(9 :(بشأن قوانين الجنسية، وقد تحفظت عليها الدول الآتية: (مصر، والأردن، والجزائر، والعراق، ولبنان، والكويت، وتونس، والسعودية، والبحرين، وسوريا، وسلطنة عمان.
مادة (15) :بشأن المساواة أمام القانون، وتحفظت عليها الدول الآتية: (الأردن، والجزائر، وتونس، والبحرين، وسوريا، وسلطنة عمان). ومن الجدير بالذكر أن الأردن رفعت تحفظها عام 2009 على البند (4) من المادة (15 (.
مادة (16): بشأن الزواج والعلاقات الأسرية، تحفظت عليها جميع الدول العربية.
مادة (29): بشأن التحكيم بين الدول، تحفظت عليها أغلب الدول العربية.
ومفاد ذلك أن الدول العربية، بل والإسلامية جميعها تدرك جيداً ما يخالف أحكام شرعنا الحنيف، وأنها على الرغم من الموافقة على اتفاقية “سيداو” إلا أنها تحفظت على ما يخالف الشريعة الإسلامية، ومما يؤكد ذلك أن المادة (16) من اتفاقية “سيداو” تحفظت عليها جميع الدول العربية، وهي المادة المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية.
ومن الجدير بالذكر، التنويه إلى أنه على الرغم من أن اتفاقية “سيداو” جاءت بعض موادها مخالفة للشريعة الإسلامية صراحة، إلا أنها في بعض موادها جاءت متأخرة أربعة عشر قرناً عما جاء في الشريعة الإسلامية من تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة. فقد ساوت الشريعة الإسلامية بين الرجل والمرأة فيما يتساوى به الرجال والنساء، فكل منهم له الحق في الحفاظ على نفسه ودمه وماله وكرامته، وكذا تتحقق المساواة لكل منهم في حقه في التملك والتصرف المالي.
كما أن حُرِّيَّةُ الرجل في اختيار زوجته تقابلها حرية المرأة في اختيار زوجها، ولا ينال وجوب وجود ولي من حرية المرأة في اختيار زوجها، إذ أن وجود الولي ليس لاختيار الزوج وإنما للمساعدة على حسن الاختيار، لكون الرجل له نظرة في مثيله، فلا تقع المرأة فريسة زوج غير أهل لها وذلك لمكر بعض الرجال. وهكذا نرى أن الإسلام سبق الاتفاقية فيما تطالب به بقرون. ونظراً لكون بعض مواد الاتفاقية جاءت مخالفة للشريعة الإسلامية، فإن ذلك جاء نتيجة للمبالغة في المساواة بين الرجل والمرأة، وذلك لأن واضعي الاتفاقية تحكّم فيهم رد الفعل لمهانة المرأة في دول لا تطبق الشريعة الإسلامية، فوضعوا موادها بغير موضوعية، وكان الأجدر بهم مراعاة الموضوعية في وضع مواد تلك الاتفاقية دون التحيز المخل بطبيعة المرأة وطبيعة الرجل اللتين جبلا عليها، إذ أن قمع المرأة مخالف للإسلام، ومساواتها بالرجل مخالف أيضاً.
ومن ثم تضحى الموافقة بإطلاق على ما جاء في الاتفاقية تصطدم بأحكام الشريعة الإسلامية، وتتنافى مع الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، وعدم الموافقة على الاتفاقية من قبل الدول العربية والإسلامية يؤدي على النقيض تماماً من تشويه لصورة الإسلام فيعتقد الآخرين خطأ أن الإسلام لا يساوي بين الرجل والمرأة.
وقد أحسنت الدول العربية صنعاً بالإنضمام إلى اتفاقية “سيداو” مع التحفظ على المواد التي تخالف الشريعة الإسلامية. وبهذا يكونوا قد بينوا للآخرين أن الشريعة الإسلامية ساوت بين الرجل والمراة فيما يتساوى به الرجال والنساء، وأن العمل بموضوعية يستوجب عدم التحيز المخل بطبيعة المرأة وطبيعة الرجل اللتين جبلا عليها.