أزمة سد النهضة .. والتدخل الأمريكي
بقلم: د. أشرف رضوان
ربما يرى الخبراء والسياسيون أن مصر تمر بموقف صعب في ملف سد النهضة نتيجة المماطلة المتعمدة التي تمارسها إثيوبيا، والتصريحات الوهمية التي تتهم فيها مصر والسودان بعرقلة مسيرة المفاوضات. وقد ازداد هذا الشعور بعد مطالبة مصر بالتدخل الأمريكي لحلحلة هذه المشكلة المعقدة، إلا أن الموقف الأمريكي جاء ضعيفًا ويميل إلى الحياد الذي لا يخدم القضية المصرية والسودانية، لكن بالتحليل المنطقي للمشهد نستنتج عكس ذلك.
فمصر تسعى في طريقها لتُسمى “مصر العظمى” بعد حصولها على صفقات أسلحة وطائرات متنوعة المصادر وتحريرها من قبضة الاحتكار الأمريكي الذي ظل لسنوات عديدة منذ اتفاقية كامب ديفيد وحتى وقت قريب. حاولت الولايات المتحدة أن تعاقب مصر على هذه الخطوة بحرمانها من المساعدات التي كانت تعطيها لمصر على شكل قطع غيار وصيانة للأسلحة، إلا أن مصر سعت في طريقها إلى التحرر حتى خاطب وزير الدفاع الأمريكي الرئيس أوباما آنذاك محذرًا إياه من هذا القرار. فمصر ليست مثل أي دولة، خاصة وأنها حليف استراتيجي مهم في منطقة الشرق الأوسط وبدونه تفقد أمريكا مكانتها في المنطقة، الأمر الذي وضع الولايات المتحدة في حيرة إلى أن استسلمت للأمر الواقع الذي يسمح لمصر بتنوع مصادر الأسلحة، وهذا بالطبع ما أزعج إسرائيل التي كانت تمتلك الأسلحة الأكثر تطورا خاصة الطائرات.
ولمن لا يعرف مدى التطور الذي حدث في أسلحة الجيش المصري في السنوات الأخيرة، فقد استطاعت مصر شراء عدد 2 حاملات طائرات مسترال 1 و 2 لحماية مصالحنا في البحر المتوسط والأحمر، خاصة بعد الاكتشافات البترولية فى البحر المتوسط والتي كانت سببا في ترسيم الحدود البحرية مع كلا من قبرص واليونان لكي تفسح المجال لشركات النقب الإيطالية للتنقيب عن الغاز بدون عقبات. فمصر في طريقها إلى الاكتفاء الذاتي من الغاز. وتتوالى المفاجآت بشراء الفرقاطات والغواصات والطائرات الرافال والميج 29 والمروحيات من طراز كا 52 الروسية، وأخيرا الصفقة الأكبر في التسليح بالطائرات وهى سوخوي 35 ذات السيادة الكاملة. ألا يكون هذا كافيا لإزعاج أمريكا وإسرائيل؟!
وبعد أن وضع الرئيس السيسي الخط الأحمر عند الاقتراب من سرت والجفرة الليبية وعدم قدرة تركيا على المواجهة ازدادت المخاوف الإسرائيلية. وبالنظر إلى قضية سد النهضة ومدى التعسف في الموقف الإثيوبي وإصرارها على الملء الثاني دون الرجوع أو الاتفاق مع دولتي المصب مصر والسودان لابد من استنتاج أن هناك قوى تدعم الموقف الإثيوبي في ذلك، خاصة وأن إثيوبيا لا تملك الإمكانات التي تمكنها من مواجهة مصر عسكريا. والسيناريو المتبع مع كلا من مصر والسودان هو أن يكونا تحت الإرادة الإثيوبية فيما يتعلق بملء السد وتشغيله، وأن يفرض الأمر الواقع نفسه ولن يتبقى غير الخيار العسكري الذي ربما يضر بالسودان ويتسبب في غرق الكثير من أراضيها، بالإضافة إلى الأضرار التي يتسبب فيها ضرب السد لملايين البشر، وبذلك تصورت إثيوبيا ومن وراءها أنها تمتلك خيوط اللعبة. وقد انكشف الغطاء من على الوجه الأمريكي بعد زيارة مبعوثها إلى مصر من أجل حل القضية والذي لم يقدم شيئًا إيجابيًا على الرغم من قدرة أمريكا على التأثير على الموقف الإثيوبي للتراجع عن موقفها، وكأن أمريكا تعلن مساندتها صراحة للموقف الإثيوبي وتنتظر مبادرة مصر بضرب السد لكي تبعث بتوصيات إلى مجلس الأمن بفرض عقوبات على مصر وكأنها دولة معتدية، إلا أن مصر وما لديها من خبراء سياسيين استطاعت أن تكسب تأييد العديد من الدول وإظهار الموقف الإثيوبي المتعنت بوضوح أمام المجتمع الدولي وقد يكون هذا سببا كافيا لكي تقدم مصر على خطوة ضرب السد دون فرض أية عقوبات عليها خاصة بعد الموقف الأمريكي المتخاذل تجاه القضية والذي يُضعف الموقف الأمريكي عند المطالبة بفرض عقوبات على مصر في حال ضرب السد لأنها لم تقدم على حل القضية على الرغم من إمكانية عمل ذلك وهذا ما يسعد إسرائيل التي لا تريد لمصر أن تتقدم، خاصة القوة العسكرية التي ازدادت بشكل ملحوظ.
إن مصر بما لديها من خبراء سياسيون وأجهزة مخابرات تُعد من أقوى الأجهزة على مستوى العالم لن تتعثر في مثل هذه القضية ولكن اتخاذ القرار سوف يتم في اللحظة المناسبة وهذا ما يزعج الدول المعادية التي تشاهد صعود مصر العظمى دون مقدرتها على إيقافها. وسيأتي اليوم الذي يسجل التاريخ كيف استطاعت مصر عبور هذه الأزمة باقتدار مثلما فعلت في عبور خط بارليف في حرب أكتوبر المجيدة عام 1973.