حسين السيد يكتب: “التفسير العصري للقرآن” أثار جدلاً واسعًا في الساحة الفكرية والثقافية

معلومات أثارت جدلاً في كتاب:    

“التفسير العصري للقرآن” أثار جدلاً واسعًا في الساحة الفكرية والثقافية

  • د. مصطفى محمود: كفّرونى للمرة الثانية عندما أصدرت «التفسير العصرى للقرآن».

  • الدكتورة بنت الشاطيء: إن من يأخذ على عاتقه تفسير القرآن يجب أن تكون له دراية بأسرار لغة القرآن وفقه سياقه ودلالته.

 

               حسين السيد

 

مصطفى كمال محمود حسين آل محفوظ المعروف باسم الدكتور مصطفى محمود (27 ديسمبر 1921–31 أكتوبر 2009)، عالم وفيلسوف وطبيب وكاتب مصري، يُعد أحد أهم الكُتاب والمفكرين المصريين. أثار جدلاً واسعاً في فترات من حياته واتُهم بالإلحاد أكثر من مرة. مُساهماتة العلمية والبحثية كبيرة جداً فقد قدم برنامجاً تليفزيونيًا شهيراً في عام 1971 بعنوان “العلم والإيمان” والذي يتحدث عن المعجزات في الكون، واستمر لمدة 28 عامًا قدم خلالها أكثر من 400 حلقة.

 

 

في عام 1969 أصدر د. مصطفى محمود كتاب (القرآن .. محاولة لفهم عصري) والذي أثار جدلاً واسعًا في الساحة الفكرية والثقافية، وقام بالرد عليه مجموعة من العلماء وعلى رأسهم الشيخ عبد المتعال الجبري، وبنت الشاطيء، والشيخ مصطفى الحديدي الطير، ثم توالت إنتاجاته الأدبية والفكرية والتي طرح فيها قضايا جدلية شائكة من أشهرها: (رحلتي من الشك إلى الإيمان، الطريق إلى الكعبة، الله، التوراة، الشيطان يحكم، رأيت الله، الروح والجسد، حوار مع صديقي المُلحد، لماذا رفضت الماركسية، عصر القرود، نقطة الغليان، القرآن كائن حي)، وغيرها من المؤلفات العظيمة.

 

حمل هذا الكتاب تفسيرًا عصريًا للقرآن وبعض الآيات الكونية التى تتحدث عن النجوم والفلك والقمر والليل والنهار والكون والطبيعة، وقال فى تفسيره لها إنها لم تكن مفهومة فى عصرها لأن السلف الصالح لم تكن لديهم الخلفية العلمية لعلوم الفلك، وأيضا لم يكن ظهر فى عصرهم الأجهزة الدقيقة والعلم المتقدم الذى أصبح فى عصرنا يحمل صاروخ رجلاً إلى القمر والكواكب الأخرى، ولكن الآن أصبحت مفهومة ويمكن تفسيرها بشكل أعمق وأصدق وفسر هذا بأنه العطاء الجديد للقرآن الكريم، ولكن المهاجمين حملوا مشاعل الثورة ضده وقالوا كيف يفسر القرآن وهو ليس بأزهرى ويرتدى بدلة ولا يرتدى الجلباب فكان يضحك من حجتهم هذه ويقول يا حسرتاه على الدين الذى تتحكم فيه وتدرسه لأبنائنا تلك العقول التى لا أجد كلمة فى قاموس الوصف تصف أحوالهم. وكان دائمًا يرد عليهم «أنا الذى لم أتعود الرد والدفاع عن نفسى أبدًا وأترك من يتكلم ينبح لأن الزمن سيثبت صدق نظرياتى» بعد أن يفيض بى الكيل أقول «تقولون إنكم ترفضون تفسيرى للقرآن وتدخلى فى شؤون الدين لأننى لست أزهريا ولا أنتمى إلى هيئة تدريس من علماء العالم الإسلامى فيقولون نعم .. فأقول ما قولكم فى سيدنا أبى بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب وعقبة بن نافع إلى آخر الصحابة .. فيقولون لا غبار عليهم .. يعنى لم يتخرجوا من الأزهر الشريف ومع ذلك تأخذون العلم عنهم فكانوا يصمتون!!

 

يقول د. مصطفى محمود: لم أكن فى يوم من الأيام رجل دين، بل أنا فنان دخلت إلى رحاب الدين من باب الفضل الإلهى، ومن باب الحب والاقتناع، وليس من باب الأزهر الذى أقدره وأحترم بعض مشايخه، ولكنى أرفض سياسة البعض منهم فى تفسير القرآن ومنهجية دراسة الدين الإسلامى التى فقدت بريقها .. ومن هنا كان حكمى دائمًا حكم الشاعر وليس الشيخ أو الفقيه.

قرأت كتاب “القرآن .. محاولة لفهم عصرى” للكاتب المرحوم الدكتور مصطفى محمود، ورأيت أن أعرض وجهة نظر د. عائشة عبد الرحمن المُلقبة بـ”بنت الشاطئ” لأنها كانت تنتمي في حياتها الأولى إلى شواطئ دمياط التي وُلدت بها وعشقتها، وكانت تكتب مقالاتها في الأهرام بهذا الاسم المستعار.

 

فقد تعرض الدكتور مصطفى محمود لهجوم من الدكتورة عائشة عبد الرحمن، بعد أن ظهر تفسيره العصرى للقرآن، مقالات نشرها في مجلة “صباح الخير”، ثم جمعها فى كتاب مطبوع وأسماه “القرآن.. محاولة لفهم عصرى”، وتصدت لمقالاته تلك بنشر مجموعة من المقالات بجريدة الأهرام، ولاقت صدى واسع واستحسانًا من القراء، مما دفعها لجمعها فى كتاب يحمل اسم “القرآن والتفسير العصرى”.

 

 

ترى الدكتورة عائشة أن من يأخذ على عاتقه تفسير القرآن لابد أن يتحلى بجملة من الشروط يجب أن تتوافر فيه، أولها أن تكون له دراية بأسرار لغة القرآن وفقه سياقه ودلالته، أى يكون عالمًا بعلوم اللغة العربية من لغة ونحو وصرف وبلاغة، وأن يكون على دراية بعلوم الحديث، فيعرف صحة هذا الحديث من ضعفه، ولا ننسى درايته بعلوم القرآن، من حيث معرفة الناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، وكيفية جمع القرآن وترتيبه، ولهجاته، أو ما يُعرف بعلم القراءات وهو علم لا يدركه إلا من تخصص فيه وأنفق سنوات طوال لمعرفته، ويرتبط به إعراب القرآن، فمثلا إذا سمع كلمة “حمالة” من سورة “المسد” وذلك فى قوله تعالى “وامرأته حمالة الحطب”، إذا سمعها “بالرفع” هل تعد القراءة صحيحة أم أنها بالنصب فقط كما وردت فى القرآن الكريم؟ فلا مفر من أن يعود إلى كتب غريب إعراب القرآن ليدرك أن هناك أوجهًا فى هذه الآية الكريمة. وأيضا أن يلمَّ بعلم التجويد فيعرف متى يقف ومتى يصل وأحكام التنوين. لهذا تجد التفاسير القديمة قد أحاطت وألمت بمجموعة من المعارف والعلوم، فهناك اللغة والفقه والنحو والحديث والشعر والتاريخ.

 

انظر مثلا إلى تفسير الإمام القرطبى، والله إنى عندما اقتنيته ناء بى حمله، فهو جامع لأحكام القرآن، ورغم هذا فإن الذين جاءوا بعده لم يكتفوا به، فظهرت تفاسير تضاهيه من حيث الحجم والإفادة. ومن أجل هذا كنت تجد أسماء المفسرين فى طبقات اللغويين والنحاة، أو المحدثين والفقهاء أو المؤرخين والمتكلمين، فهذا جار الله الزمخشرى من النحاة الكبار وله المفصل فى النحو شرحه ابن يعيش، وفى اللغة أساس البلاغة، وفى الأمثال المستقصى، وفى الحديث الفائق فى الغريب، وفى التفسير الكشاف، وكان من المعتزلة. فتفسير القرآن أمر شاق، وقال الرسول (ص):” إن لله أهلين منا”، قالوا: يا رسول الله من هم؟ قال:”هم أهل القرآن، هم أهل الله وخاصته”.

 

وضربت بنت الشاطئ أمثلة تؤكد فيها وجهة نظرها، فتقول: “نحن المثقفين مثلا، نستطيع أن نقرأ أى نص قانونى، وأن نفهمه بالقدر الذى تتيحه لنا عقليتنا ومستوى ثقافتنا، لكن دوائر القضاء والتشريع، لا تعترف بغير المتخصصين فى القانون، ولا تجيز لأى مثقف منا، غير قانونى، أن يتصدى لإفتاء الناس فى هذا النص، أو الدفاع به أو الحكم بمقتضاه”، ثم أوضحت أن هناك قضايا متخصصة تحتاج إلى خبير فى مجالها، وهو ما لا يتسنى للقضاة للبت فيها فيرجعون إلى أهل التخصص، فتقول: “ومن القضايا ما يحتاج إلى خبرة طبية أو اقتصادية أو فنية لا علم للقضاة بها، فيندب الخبراء لفحصها وتقديم تقاريرهم عنها، ويظل الحكم فى القضية لرجال القضاة وحدهم دون الخبراء من الأطباء أو المحاسبين أو غيرهم”.

 

وإذا كنا نتحرج من الخوض فى قوانين وضعها البشر، ولا تقبل شهادتنا أمام القضاة لأننا لسنا من ذوى الاختصاص، وإذا كان العلماء يشتدون على طلاب حفظ القرآن فى الحظر بأن “يأخذوه من مصحفى” بمعنى النهى عن أخذ القرآن ممن قرأه فى المصحف، ولم يتلقه تلقينا بالقراءة المشافهة على شيوخ القراءة، فيغيب عن وجه الصواب فى التلاوة والأداء، ولهذا فإن هناك مصطلحا يعرفه المتخصصون فى القرآن والسُنة وهو “الإجازة”، وهو أن يجيز لك الشيخ الرواية عنه، فما بالكم لو تصدى لتفسيره وتأويل كلماته – وإذا كان الأمر بهذا التحوط، فكيف نقبل على أنفسنا أن نخوض فى حديث رب العالمين، وأن ندعى العلم فى كتابه المبين، ولسنا من أهله المخلصين؟!

 

هكذا كانت رؤية الدكتورة عائشة تجاه تفسير الدكتور مصطفى محمود العصري، فهو ليس –من وجهة نظرها- أهلاً لتفسير القرآن، لنقصان أدواته، ولا مانع فى أن يكتب أمور الفن ومشكلات الحب أو يعالج رواية أو قصة أو يهاجم عبد الناصر أو يمدح السادات، أما أن يفسر القرآن وينشره على الناس فهنا توجد الموانع.

 

ونتيجة لذلك فقد وقع د. مصطفى محمود فى مزالق خطيرة، منها مثلا: تفسيره للفظ “يعشو” بلفظ “ينصرف” فى آية الزخرف “ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانًا فهو له قرين”، وهناك فرق بعيد أقصى البعد – كما تقول- بين الأعشى والمنصرف، فتفسير أحدهما بالآخر ليس إلا خبط عشواء. أو تفسير النعلين فى آية “فاخلع نعليك إنك بالوادى المقدس طوى” بالنفس والجسد، فهذا ما لا تعرفه لغة القرآن.

 

 

كذلك من المآخذ عليه أيضا، بتر صيغة من صيغ القرآن أو عبارة من عباراته من سياقها الخاص فى الآية والسورة، ومن سياقها العام فى المصحف كله، مثل آية “وما يعلم تأويله إلا الله”، فترى أنه بتر الآية من سياقها، وحملها على كلام الله، فى القرآن كله، والصحيح أنها فى المتشابه منه فحسب، سورة آل عمران – آية 7، فهو أخذها من سياق الحديث عن المحكم والمتشابه، ليقول إن القرآن كله لا يعلم تأويله إلا الله.

 

كما قال إن آية “فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم” تفسح المجال للعفو عن التائب، فمن يسرق ويقول صادقًا: تُبت ولن أسرق بعد الآن، يعطى لولى الأمر مجالاً لرفع الحد عنه، وفى هذا الكلام إبطال لإقامة حدود الله، ويجعل قبول التوبة لولى الأمر، وهى نص فى الآية لله تعالى، سبحانه هو الذى يقبل التوبة من عباده.

 

وتؤخذ عليه أيضًا ما أباحه لنفسه من وصف الله تعالى بما لم يصف به نفسه، فيقول مثلا: المعماري العظيم، المهندس الأعظم للكون، أو الله هو سائق القطار الذى تفوق قدرته ومهارته مهارة جميع السائقين. وهذا طبعًا لا يجوز أن نصف الله سبحانه بهذه الأوصاف، فإذا جاء فى القرآن أنه تعالى: الغنى والعليم، لم يجز لنا أن نصفه بأنه: الثرى المليونير، والأستاذ العلامة العبقرى. وغيرها من الأوصاف الحسية، مثل أن يقيس عليه قوله تعالى: “يد الله فوق أيديهم” فيقول: ذراع الله مع أذرعهم أو فوقها. ومن ثم علينا أن نلتزم بنص القرآن الكريم، وألا نستحدث أوصافًا أو ألفاظًا ونطلقها عليه سبحانه، وهناك أوصاف لصقت بالبشريين وتدل على البراعة والتفوق، مثل المعلم الأول الذى يُطلق على “أرسطو”، والمعلم الثانى يُطلق على الفيلسوف المسلم “الفارابى”، ومن هنا يجب ألا ننساق وراء تلك المسميات، فهو سبحانه منزه عن كل هذا.

 

وأخذت عليه الدكتورة عائشة عبد الرحمن أن يفسر القرآن الكريم بنصوص من الإسرائيليات، مثل استشهاده فى مقالة “الجنة والجحيم” بنصوص من العهد القديم، “وفى العهد القديم يصف أشعيا يوم الرضوان قائلا: يضع رب الجنود لجميع الشعوب فى هذا الجبل وليمة سمائن ووليمة خمر ويمسح السيد الرب الدموع من كل الوجوه”، وفى مقالة “الساعة” كذلك يستشهد برؤيا يوحنا اللاهوتى. وتفسير القرآن بنصوص إسرائيلية لا يجوز عند المسلمين، وجاهدها العلماء على مدار العصور.

 

وكذلك طرحه لقضايا ليس فيها خلاف بين المسلمين، فإذا هو يأتى بطرح مغاير لما استقر فى الأذهان كما ترى بنت الشاطئ، مثل قوله فى مقالته “لا إله إلا الله”: “وإذا توكلنا على الله تعالى، فلن نخاف الحرب ولا القنبلة ولا المرض، لأننا أدركنا وحدة الفاعل، وأنه لا فاعل فى الحقيقة إلا الله هو الضار النافع. هو الذى يسلط الأسباب، هو الذى خلق العقرب والسم والوردة، وهو الذى ينشر العبير وينشر السم فى العروق، هو مناط الهلاك ومناط النجاة، لا راد لقضائه ولا معقب لأمره، هو الفاعل ونحن أدواته”، وتعلق قائلة: وبمقتضى هذا الإيمان العصرى، تكون تعبئتنا لحرب العدو تشاغلاً عقيمًا، وتكون خطط الدفاع المدنى للوقاية من خطر القنابل، عبثًا وضلالاً. وكذلك حد السرقة التى سبق أن تحدثنا عنها من قبل. وغض البصر، فله وجهة نظر تختلف عن الآخرين، فيقول فى مقالة “الحلال والحرام”: ونحن قد نرى وجهًا فنهتف بالقلب إعجابا: الله! ونقصد الخالق الذى صور، وليس المخلوق، فلا تكون هذه النظرة حلالاً فقط، وإنما تكتب له حسنةً”. وترى بنت الشاطئ أن هذا ليس من الإيمان، “إن الحياء من الإيمان”، بل هناك حديث الاستئذان على الأم، ثم تقول ساخرة: ويأتى فى آخر الزمان، من يفتى بأن عرى النساء فى شوارع القاهرة، وسيلة إلى الله وقربى، فالنظرة إليهن والهتاف بالقلب إعجابًا: الله! ليسا حلالاً فقط، ولكن تكتب بها حسنة.

 

إن إقحام العصرية فى تفسير القرآن سيؤدى إلى مزالق خطرة نحن فى غنى عنها، والجرى وراء نظريات علمية ومحاولة إثبات أنها موجودة فى القرآن بحجة “ما فرطنا فى الكتاب من شىء” لهو أمر فى غاية الخطورة، ماذا لو اكتشف العلماء خطأ هذه النظرية فيما بعد، هل يكون الخطأ فى القرآن أيضا؟ حاشا لله أن تكون به أخطاء، ومن مثل هذا أيضا، التهليل والتكبير عندما يُسْلِمُ إنسان لا ينتمى إلى هذا الدين، فماذا لو عاد إلى دينه الأصلى، هل يكون العيب فى الإسلام؟ والتى تَلزم بيتها وتلتزم بالحجاب الشرعى ثم تهجرهما، ماذا نفعل حيالها؟ أو حتى من يرتد عن دين الله ويهاجم ديننا الحنيف. كل هذه أمور يجب ألا نلتفت إليها، وألا نملأ الدنيا صراخًا وعويلاً، فأمرهم موكول إلى الله، وهو وحده الذى سيحاسبهم، “فَمن شاء فَليؤمنْ ومن شاء فَليكفرْ إنا أعتدنا للظالمين نارًا أَحاط بِهم سُرَادقها”. وإذا كانت الاكتشافات العلمية أو علوم الطب والرياضيات والذرة لا يوجد لها ذكر فى القرآن، فهل هذا القرآن غير صالح لعصرنا وزماننا هذا؟ أو لا نستسيغه لتقصيره فى هذه المسائل؟ هل نغرى هذا الجيل باسم العصرية أن يرفضوا فهم القرآن كما فهمه الصحابة فى عصر النبوة؟

 

ومن هذا جاء حديث الدكتور مصطفى محمود عن آية القمر فى سورة يس: “والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم” يقول: “إنها تشبيه حرفى للقمر الذى لا خُضرة فيه ولا حياة”، ما هذا الكلام؟ وماذا يفعل لو اكتشف العلماء وجود حياة على سطح القمر، هل نتهم القرآن بالتقصير؟ وكذلك حديثه عن الحروف المقطعة أوائل السور: كهيعص، طسم، وتفسيره العصرى لآية النمل، ولماذا أنث القرآن العنكبوت؟ ورأى الدكتور مصطفى أن التأنيث جاء ليخدم سببًا بيولوجيًا، وتعقبته الدكتورة بنت الشاطئ فى هذا التفسير.

 

  • إقحامه على الآيات القرآنية تفسيرًا لألفاظها فى نص الآية، مثلاً: “إنا جعلنا الشياطين أولياء (أنصارًا) للذين لا يؤمنون”، “ومن يعش (ينصرف) عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانًا فهو له قرين (مصاحب وملازم)”. فأنت ترى أن هناك إقحامًا للفظ المترادف على نص الآية وليس على هامش الصفحة أو حتى بعد انتهاء الآية. كما أن الدكتور مصطفى لم يراع التشكيل أو علامات الترقيم أو الفواصل.

  • تعيب عليه أنه استعان بكل العلوم العصرية فى تفسيره للقرآن، وهذا أمر لا يقدر عليه أحد، فكل ميسر لما خلق له، وكلٌّ له علمه الذى برع فيه، وظهرت تخصصات داخل التخصص الواحد، فمثلا اللغة العربية، هناك النحو، والنحو ينقسم إلى مدرستين أساسيتين، هما البصرة والكوفة، والبصرة بها الخليل وسيبويه وأبو عثمان المازنى والمبرد، والكوفة بها الكسائى وتلميذه الفراء وثعلب، ويمكن أن تتخصص فى علَمٍ واحدٍ من هؤلاء الأعلام، بل أقول يمكن أن تخصص فى مسألة واحدة من مسائل سيبويه مثلا، هذا ونحن مازلنا فى النحو، فما بالك بالبلاغة، والأدب المقارن… فكل علم من هذه العلوم بحر لا يستطيع السباحة فيه إلا من أوتى صبرا وجلدا.

 

فأخذت الدكتورة عليه أن يخرج على الناس بتفسير قرآنى فيه: طب، وصيدلة، وطبيعة، وكيمياء، وجغرافيا، وهندسة، وفلك، وزراعة، وحيوان، وحشرات، وجيولوجيا، وبيولوجيا، وفسيولوجيا، وتكنولوجيا، أى “بتاع كله”، وهذا لا يجوز فى تفسير القرآن. ولما اشتدت الحملة على مجلة صباح الخير وقتها، تطوع الدكتور عثمان أمين للرد على الدكتورة عائشة، والدكتور عثمان هو أستاذ الفلسفة الإسلامية وصاحب كتاب “الجوانية.. أصول عقيدة وفلسفة ثورة”، والجوانية تعنى “فلسفة تحاول أن ترى الأشخاص والأشياء رؤية روحية. رد عليها د. عثمان أمين قائلاً: في رأيى أن القرآن لم ينزل للمتخصصين، وإنما نزل للعالمين، وأن “ابن عباس”، وهو حجة فى التفسير فى زمانه، لم يدرس الدين فى معهد، ولم يكن يملك من المؤهلات إلا الفطرة السليمة، والله يقول فى كتابه “يؤتى الحكمة من يشاء” والدكتور مصطفى محمود كما يتبين لكل قارئ منصف يملك هذه الفطرة السليمة، وهو مشكور على هذه المحاولة، فإن أخطأ كان له أجر المجتهد، وإن أصاب له أجران”.

 

ولكن الدكتورة عائشة فندت هذا الكلام، وردت عليه ردًا علميًا، واستشهدت بما جاء فى السلف الصالح من حرصهم على ألا يقولوا إلا ما يعلمونه ويعرفونه، وغير هذا لا ينطقون، وجوابهم فى حالة عدم التيقن هو “لا أدرى”، وقد عقدت لها فصلاً أسمته “لا أدرى.. والله أعلم”، أما ابن عباس الذى استشهد به الدكتور، فهو ابن عم النبى، وأحد كُتاب الوحى، ودرس الدين فى مدرسة النبوة، وهو الذى كان خلف النبى عندما علمه بكلمات، وهو حبر الأمة وترجمان القرآن، وله قصة شهيرة مع نافع بن الأزرق ذكرها جلال الدين السيوطى فى كتاب “الإتقان فى علوم القرآن”، فارجع إليها إن شئت. فكلام الدكتور عثمان أمين غير مجد فى هذا الموضع، ويبدو أن خلافه مع الدكتورة عائشة هو الذى ساقه للقول بهذا، إذ أنكرت منه بدعة “التفسير الجوانى للقرآن” عقب ظهور كتابه بمقال فى الأهرام.

 

وادعت الدكتورة عائشة أن الدكتور مصطفى أخذ عن كتابها “مقال فى الإنسان” الذى نشرته سنة 1969 عن دار المعارف، أى قبل ظهور التفسير العصرى للدكتور، وراحت تدلل على كلامها، مستقطعة عبارات من كتابها وردت بمعناها فى كتابه، مثل ما لفتت إليه من خطورة التفسير الباطنى والعدول عن ظاهر النص، وضرورة الالتزام بالنص القرآنى، فهو أيضا قد ورد فى نهاية مقالة “رب واحد ودين واحد”، رغم أنه لم يلتزم بها فى تفسيره. وذكرت أيضًا أن ما قدمته فى فصل “حرية العقيدة” ذكره الدكتور موزعًا فى ثلاثة فصول: لا كهنوت، رب واحد، لا إله إلا الله.

 

إن الدكتورة عائشة خصصت بابًا كبيرًا من كتابها بعنوان: “القرآن والتفسير العصرى” للمقارنة بين ما جاء فى كتابها “مقالة فى الإنسان” وما جاء به الدكتور فى تفسيره العصرى، وتناولت قضايا مثل الغيب، وحرية الإنسان، والوجود العدم، وجدل فى البعث، حتى أبيات أبى العلاء التى استشهد بها الدكتور مصطفى فى كتابه. ولعل فى هذا النقل – كما ترى الدكتورة- ما جعلها تحمل عليه، وتشخِّص النقاش كما يعتقد البعض، وأن حملتها على تفسيره لا تذهب بالضرورة إلى الهجوم على كل ما هو تفسير عصرى، وإنما حملتها موجهة ضد الدكتور مصطفى محمود فقط، لدرجة أنها لم تذكر اسمه مرة واحدة فى كتابها، اللهم إلا مرة ذُكر عرضًا فى أثناء نقلها لكلام الدكتور عثمان أمين، غير هذا لم يذكر، بل تستشعر أنها تتهكم عليه، فمرة تذكره بالمفسر العصرى، ومرة بالدكتور العصرى.

وعندما سُئل د. مصطفى عن اعتراضات الدكتورة عائشة على تفسيره رد قائلا: “حين نقول التفسير العلمى فإننا لا نعنى بذلك القرآن ككل، وإنما الآيات الكونية بالذات وهى آيات محدودة وتتناول الفلك والنجوم والسماوات والجبال والطقس والأجنة. وليس أن يأتى شخص ويقول لى بيانًا ويذيعه، ولكن لابد أن نكتشف أن القرآن سابق عصره وسابق العلم، وبيَّن أشياء كاشفة فى الموضوع، فأنا لا أعرف.. لماذا يغضب هؤلاء.. إن الموضوع ليس تخصصهم بالمرة، وهم لا يفهمون هذه المسائل، فالآيات الكونية ليست تخصص هؤلاء الناس بالمرة، والحقيقة أن التفاسير القديمة مليئة بالحشو والأخطاء فيما يتعلق بالآيات الكونية. هؤلاء يتصورون أن القرآن نزل للسلف ولقريش فقط .. مستحيل! فنحن مدعوون لأن نتدبر القرآن، وإذا كان هؤلاء يؤمنون بالتخصص، فكل ما ورد فى الموضوعات العلمية والفلكية لا يدخل فى تخصصهم بالطبع”.

هناك ثلاثة كتب للدكتورة عائشة عبد الرحمن تناولت قضية التفسير، أولها كتاب “مقال فى الإنسان” الصادر سنة 1969، ورأت أن الدكتور مصطفى نقل عنها دون أن يشير إليها أو إلى كتابها، وأما الكتاب الثانى فهو “القرآن والتفسير العصرى” صدر سنة 1970، وهو فى أصله مقالات نشرتها بجريدة الأهرام للرد على كتاب الدكتور مصطفى محمود “القرآن محاولة لفهم عصرى”، والكتاب الثالث يجمع بين كتابى الدكتورة عائشة السابقين مع بعض الإضافات القليلة.

Comments (0)
Add Comment