بقلم/ ملك عبد الله سمرة – باحثة أثرية
شهدت منطقه آثار سقارة ألغازًا حيرت علماء الأرض لما تشهده من اكتشافات أبهرت العالم على مر العصور، وهناك لغز لا يقل أهمية عن هرم سقاره ألا وهو “السرابيوم” الموجود فى منطقة آثار “سقارة”، وهو عبارة عن مجموعة أنفاق وسراديب ومغارات محفورة تحت أعماق صخور هضبة سقارة بطول 400م، والسؤال: كيف قام المصري القديم واستخدم تكنولوجيا وآلات لحفر مثل هذه الأنفاق منذ 5000 آلاف عام.
السرابيوم هو اسم يُطلق على كل معبد أو هيكل ديني مخصص لعبادة إله الوحدانية سيرابيس، وهي عبادة مقدسة في مصر في العصر البطلمي لها أبعاد سياسية تهدف إلى جعل كلاً من المواطنين من ذات أصول إغريقية، ومن ذوي أصول مصرية يشتركون في عبادة الإله الحامي الذي توحدت فيه صفات الإلهين الإغريقيين زيوس وهاديس مع صفات الإلهين المصريين أوزوريس وأبيس. كان هناك العديد من دور العبادة لهذه الديانة، وكان يطلق على كل واحدة منها باللاتينية: Serapeum أو بالإغريقية: Serapeiom) Σεραπεῖον).
عظمة ما خلفه الأجداد تكاد تذهب عقول الأبناء
يوجد في السرابيوم 26 تابوتًا ضخمًا من الجرانيت مُتقن الصنع، يزن غطاء التابوت 30 طنًا، وجسم التابوت نفسه 70 طنًا، وهذا يعني أنها تحتاج إلى ما يقرب من 500 رجل لتحريك كل صندوق منها! والغريب في الأمر أن الأنفاق لا تسع هذا العدد من العمال لتحريك هذه التوابيت للداخل، لأن هذه التوابيت الضخمة كُلها مصنوعة من صخور عالية الصلابة (الجرانيت الأحمر – الجرانيت الأسود – البازلت – الشست – الكوارتز) وهي صخور لا يمكن التعامل معها إلا عن طريق قواطع الماس وتكنولوجيا لا توجد إلا في مصانع السفن الحربية الحديثة، ولا يُعقل أن يقوم أحد بنحتها بالأدوات البدائية التي كانت تُستخدم في عصر الأسرات، وهي على التوالي (الحجارة – النحاس – البرونز – ثم الحديد في العصور المتأخرة) كلها لا يمكنها التعامل معها مطلقًا بهذه الأدوات فضلاً عن صقلها وتنعيمها وتحتها بالرسومات بهذا الشكل.
والسؤال: لماذا صُنعت هذه التوابيت؟ ولمن؟ ولماذا كانت التوابيت كلها خالية ومغلقة عند اكتشافها ما عدا تابوتًا واحدًا فقط؟ وعندما حاولت البعثة الأثرية تحريك غطاء التابوت بعشرات العمال لم تستطع، ثم استخدمت البعثة الديناميت لفتح التابوت ولم يجدوا شيئًا بداخله. ولماذا لم يُعثر في أي تابوت على أي مومياء أو جثة لجسد العجل أبيس كما ادعى أوجست ماريت باشا مكتشف المقبرة؟
كلف بطليموس الثالث المهندس المعماري “بارمينيسكو” بمهمة إعادة تأسيس المبنى ويضم المعبد تمثال للإله سيرابيس الذي يُشبه شكل رجل ملتحي جالس على عرش، ويحمل على رأسه سلة مليئة بالبذور، وفي يده اليسرى المرفوعة يحمل صولجان طويل، في حين أن يده اليمنى متكئة على رأس الكلب كيربيروس.
سرابيوم سقارة، هو واحداً من أهم المقابر التي بُنيت في ممفيس ويقع في مجمع مدافن العجل أبيس، في منطقة سقارة بالجيزة بمصر، ويعكس مظهر من مظاهر المعيشة للإله بتاح، والمدافن الأكثر قدماً للعجول المقدسة المحنطة والمحفوظة داخل نواويس يرجع تاريخ إنشائها إلى عهد أمنحتب الثالث، وفي القرن الثالث عشر قبل الميلاد قام ابن رمسيس الثاني خعمواست بحفر نفق في أحد الجبال منحوت على جوانبه محاريب يوجد بها نواويس العجول.
بنى پسماتيك الأول نفق ثاني يبلغ طوله 350 متر وارتفاعه 5 أمتار وعرضه 3 أمتار، استخدمه البطالمة فيما بعد، ومن المرجح أن يكون الممر الذي يتكون من 600 تمثال لأبي الهول والذي يربط الموقع بالمدينة أحد أعمال نكتانبو الأول.
اكتشف عالم المصريات أوجوست مارييت السيرابيوم وهو الذي نقب عن الجزء الأكبر من المجمع لكن المخطوطات التي كتبها بشأن هذا الأمر قد فُقدت وهذا يحد من إمكانية استخدام المقابر لتكوين تسلسل زمنى للتاريخ المصري.
تكمن المشكلة في حقيقة أنه في الفترة ما بين عهد رمسيس الحادي عشر إلى السنة الثانية والعشرين من عهد أوسركون الثاني، وهي فترة تقدر بنحو 250 عاماً تم التوصل فقط إلى تسعة من مدافن العجول، هذا العدد يشمل أيضاً ثلاثة مدافن ليست موجودة حالياً وإنما شوهدت من قبل أوجوست مارييت الذي قال إنه عثر عليها في غرفة تحت الأرض غير مستقرة تماماً بحيث يمكن التنقيب عنها.
يرجح علماء المصريات أنه كان من المفترض أن يكون هناك عدد أكبر من مدافن الثيران في هذه الفترة بما أن متوسط عمر الثور كان ما بين 25 إلى 28 سنة إن لم يمت قبل ذلك.
هناك أربعة مدافن نسبها مارييت إلى عهد رمسيس الحادي عشر تم تأريخهم بتاريخ رجعي، مما خلق فجوة زمنية ما يقرب من 130 عاماً حاول الباحثين سدها بشتى الطرق. ووفقاً للبعض، فإنه يجب إعادة النظر فى التسلسل الزمني كله للقرن العشرين، ووفقاً لباحثين آخرين فإن هناك مدافن أخرى للثور أبيس لم يتم اكتشافها بعد.
أنفاق السرابيوم
عند وقوفك أمام باب أنفاق السرابيوم .. ستقع عيناك على اللوحة الرسمية، ومكتوب عليها (السرابيوم – من الأسرة 18 حتى بطليموس الثاني عشر).. تناسى المكتوب لأن ما ستراه سيجعلك موقنًا أن الأسماء المكتوبة على تلك اللوحة لا علاقة لها بالألغاز الهندسية الجاثمة بالداخل.
سراديب السرابيوم في ذاتها لغز مُعضل، في الصيف تجدها باردة، وفي الشتاء حارة يتصبب عرقك فيه، الأنفاق بطول 400 متر محفورة في قلب صخر هضبة سقارة وليست وسط الرمال والنفق تنزل له بسلم مدرج، وإذا نظرت لخريطة الأنفاق بالأسفل ستجد تفريعات عديدة.. في النفق الرئيسي عند تلك الفراغات الظاهرة في الخريطة توجد الصناديق، كما أن هناك تفريعات أخرى ستراها كذلك.
وإذا نظرنا إلى الممر الرئيسي وجدناه على استقامة واحدة.. هل يُمكن أن يكون هذا النفق الطويل قد حُفر فقط بواسطة المعاول؟
أنفاق السرابيوم ليس لها إلا باب واحد يُعتبر هو المدخل والمخرج، فالرؤيا بداخل الأنفاق حتى مع وجود الشمس مُعتمة للغاية، ظلام تام، فهل حفروا كل تلك المسافة بذلك العُمق وأخرجوا ردمًا بالأطنان على أضواء المشاعل النارية؟
إن هذه الصناديق لم يتم بناؤها ولكنها نُحتت كأي صندوق، وهو عبارة عن 4 جوانب وقاعدة وغطاء. جسد الصندوق نُحت عن طريق اقتطاع كتلة مصمتة من الجرانيت بأنواعه المُختلفة التي تحدثنا عنها من المحاجر الموجودة في جنوب البلاد، في الأقصر، وأسوان، والسودان، وسيناء، والبحر الأحمر، والفيوم، ثم بعد اقتطاع تلك الكتلة المُقدرة بـ 80 طنا تقريبا من المحجر، يتم حفرها وصقلها، وبعد ذلك يتم نحت الغطاء.
الصندوق نفسه مصقول ولامع ويعكس ضوء المصابيح بدرجة تجعل ذهنك يتطلع إلى أن هناك ماكينات أو تقنية ُمتقدمة قد قامت بصقله، فدرجة الصقل عالية داخل الصناديق وعلى بعض أغطيتها، إن ذلك يدل على تقنية مُتقدمة استُخدمت في مصر القديمة لإنتاج هذه الصناديق الحضارية.
و لا تزال سقاره تبهر العالم بما خلفته من حضارة.