كيف نحمي أطفالنا من مخاطر الإنترنت؟
د. صباح مبروك الديهى
باحثة دكتوراه فى الصحة النفسية
بفضوله يحاكى الطفل كل ما يراه دون أن يعلم إذا كان ذلك صحيحاً أم لا، حيث يتشكل سلوك الطفل من خلال ما يغرس فيه ويتعلمه من الآخرين. أما فى عصر التطور التكنولوجى فقد بات الإنترنت صاحب الدور الأكبر فى رسم سلوك الطفل وتحديد الطريقة التى ينظر بها إلى الأشياء، من خلال المحتوى الذى يتعرض له ثم يحاكيه ويتكون على أساسه سلوكه وتفكيره. فإذا كان المحتوى جيداً ومناسباً لعمر الطفل يتشكل سلوكه بطريقة سليمة. أما إذا كان المحتوى غير ملائم لعمره ويحتوى على مشاهد وصور أو ملامح لأشياء تتجاوز عقل الطفل ومداركه، فسيكون التأثير خطيراً وسلبياً سواء على سلوكه أم نفسيته.
من هنا يتطرق سؤالأً مهماً: كيف يتخيل الطفل الإنترنت؟
يستخدم الأطفال شبكة الإنترنت دون أن يدركوا ما يترتب على هذا الاستخدام من أضرار أو فؤائد، حيث تختلف تصورات الأطفال للإنترنت بحسب استخدامه ووفقاً للطريقة التى يرسم بها الأهل.
مفهوم الإنترنت فى ذهن أطفالهم:
أجرت جامعة “ساتيا كريستينا” فى إندونيسيا دراسة حول تصور الأطفال الذين بعمر 6 سنوات للإنترنت بالتعاون مع جامعة “صن شاين كوست” الاسترالية، حيث طلب فريق من الباحثين من مجموعة من أطفال فى سن السادسة أن يرسموا ويصفوا ما يعرفونه عن شبكة الإنترنت، وبعد تحليل رسومات وأفكار الأطفال تبين أن بعض الأطفال ينظرون إلى الإنترنت على أنه ماكينة خياطة أو مربع أبيض كبير، آخرون وصفوه بأنه غامض ومثير وممتع ومشوق، وهنا نتطرق إلى سؤال آخر: ما مخاطر استخدام الأطفال الإنترنت وهم فى سن الثالثة؟
يبدأ الطفل بالوصول إلى الإنترنت والتعرض إلى مختلف ما يحتويه فى هذه السن الصغيرة وخاصة إذا كان الأهل لا يراقبون أطفالهم ويتركون لهم الحرية فى استخدامه . ويوجد تقرير أعدته الصحفية فيكتوريا وارد “Victoria Ward” (صحفية بريطانية كانت تعمل لدى نيوريوك تايمز ثم انتقلت إلى التلجراف)، بينت فيه أن متوسط العمر الذى يبدأ فيه الطفل بأستخدام الإنترنت هو سن الثالثة، حيث أجرت الصحفية لقاءات مع عدد من الأهالى والأطفال توصلت خلالها إلى تلك النتيجة، كما بينت فى هذا التقرير “تساهل الأهل فى التعامل مع وصول الطفل إلى الإنترنت فى هذا العمر”، كما أن كثيراً من الأطفال يتعرضون إلى محتويات غير لائقة مثل “المشاهد العنيفة والعدوانية، مما يؤكد عدم متابعة الأهل لنشاط طفلهم على الإنترنت وذلك يقود إلى العديد من التأثيرات السلبية على الطفل. وأيضاً بينت “فيكتوريا” أن العديد من الأطفال الذين التقتهم كانوا يشعرون بالغضب فى حال عدم وصولهم إلى الإنترنت. والبعض الآخر أظهر رغبته فى قضاء وقت كبير فى العالم الافتراضى أكثر مما يرغب بذلك بالنسبة للعالم الحقيقى ” . وينتج مما سبق أن السبب الرئيسى لإدمان الطفل للإنترنت يرجع إلى أهمال “الأهل”. فعدم وجود رقابة من الأهل تلعب دوراً أساسياً فى إدمان أطفالهم أستخدام الإنترنت، بحيث يصبح الطفل غير قادر على البقاء مدة طويلة دون إستخدامه. فإهمال الأهل للطفل أو طريقة التعامل معه من الأسباب الرئيسية لاستخدام الطفل للإنترنت بعيداً عن رقابتهم .
وفى هذا السياق أجرى قسم “العمل الاجتماعى” فى الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع قسم “العلوم الاجتماعية” فى جامعة “تايوان” دراسة نشرت فى مجلة “الكومبيوتر وسلوك الإنسان” عام 2016 أظهرت الدراسة أن “سوء تعامل الأهل مع الطفل سواء من خلال الإهمال النفسى وعدم مراعاة نفسية الطفل وسلوكه أو من خلال العنف الجسدى المُمارس على الطفل يسبب صدمة نفسية تظهر فى فترة مبكرة أو فى فترة المراهقة. وتأتى مرحلة ما بعد الصدمة التى يحاول الطفل فيها الهروب من العالم والمحيط الذى يعيش فيه، فيعيش فى عالم افتراضى هو عالم الإنترنت.