الدروس الخصوصية .. ظاهرة خطيرة تهدد المجتمع المصري
بقلم/ أحمد فيظ الله عثمان
مدير عام الإدارة التعليمية بالمعادي سابقًا
أصبحت الدروس الخصوصية تمثل ظاهرة خطيرة تهدد المجتمع المصري وتعوق بدرجة كبيرة الجهود المبذولة لتطوير التعليم، وهي أحد أسباب تراجع مستوى التعليم في مصر، وهو ما يضر ضررا بالغا بمستقبل العملية التعليمية ويهدد الوضع الاقتصادى والاجتماعى للأسرة.
فهناك مغالاة فى الرسوم من جانب المدرسين مما أدى إلى اضطراب أحوال الأسر المعيشية، وأصبح الكثيرون منهم يئنون تحت وطأة الالتزمات المالية المتزايدة فلم يعودوا قادرين على التوفيق بين ما تتطلبه الدروس الخصوصية والأعباء والاحتياجات الأسرية الأخرى فاضطربت أحوالهم على نحو ينذر بخطر محقق، فلا فرق ىين المدارس الرسمية والمدارس الخاصة في هذا الشأن.
أسباب الدروس الخصوصية:
وللدروس الخصوصية أسباب كثيرة ومتشعبة من أهمها:
1 – حرص الأسرة على مستقبل الطالب وتفوقه حيث تتمنى كل أسرة أن يلتحق إبنها بكليات القمة وإن لم تؤهله قدراته لذلك.
2 – ضعف الوعى لدى الطالب وأسرته، حيث يتم اللجوء إلى الدروس الخصوصية كبديل للجد والاجتهاد والمثابرة.
3 – عدم ثقة الطالب بنفسه، وتدنى مستوى كثير من الطلبة من بداية السلم التعليمى.
4 – انتشار ظاهرة عدم المبالاة لدى الطالب، مما ينتج عنه عدم تنظيم الطالب لوقته الذي يضيع فى استخدامه للمحمول، وكيفية مذاكرته وقياس مستوى تحصيله وعدم المتابعة الجيدة من أولياء الأمور وبالتالى لا توجد النصيحة التى على أساسها يجتهد.
5 – كثافة الفصول فى المدارس حيث تصل إلى أكثر من 50 طالبا وهى مشكلة تواجه المدرسين فى قيامهم بالعمل بشكل جيد فى التدريس.
6 – توارث عادة الدروس الخصوصية أخذا بمبدأ (إنا وجدنا آباءنا كذلك يفعلون).
7 – عدم كفاية مرتب المدرس للحاجات الضرورية له ولأسرته.
وعندما استرجع الماضى فى الخمسينيات والستينيات نجد عندما يأخذ الطالب درسا يختفى ولا يعرف زملاءه، أما اليوم فقد انتشرت الظاهرة انتشارا كبيرا لدرجة أن الطلبة يأخذون فى جميع الدروس ويتباهون بذلك أمام زملائهم.
كيف نواجه هذه الظاهرة؟
لا شك أن مواجهة هذه الظاهرة من الأمور الهامة التى يجب على الجميع مواجهتها بشكل مستمر للحد من انتشارها ووقاية للمجتمع من أخطارها الجسيمة التى باتت تؤرق الأسرة وتثقل كاهلها وتسبب لها الكثير من الهموم والمعاناة وخاصة فى هذه الأيام تواجه مصر كغيرها من الدول مشاكل اقتصادية متنوعة بعد نشوب الحرب الروسية الأوكرانية والتى قد تمتد إلى نهاية العام.
وكنا نتصور أنه بعد الإعلان عن المشروع القومى لتطوير التعليم ستقل الدروس الخصوصية تدريجيا، ولكن للأسف ازدادت، وأعتقد أن استمرار تفشى هذه الظاهرة يظل عاملا مفسدا لتطوير التعليم كمشروع مصر القومى ويمكننا أن نلخص الجهود التى يجب علينا أن نقوم بها لمواجهة هذه الظاهرة:
* تحسين مستوي الأداء فى المدارس فى جميع المجالات وعلى جميع المستويات: الإدارة، والتوجيه، والتدريس، ومعامل وأجهزة، ومبانى، ومرافق، وكتب، وتدريبات للمعلمين فى الداخل والخارج، وأنشطة، ومتابعه، وتطوير المناهج، وإلغاء الحشو، وتطوير نظام الإمتجان.
* العمل على زيادة دخل المدرسين بالحوافز والمكافآت والبدلات كى يؤدوا عملهم على أكمل وجه.
* استمرار الاهتمام بالبرامج التعليمية فى القنوات بالتليفزيون حتى يتاح الشرح والتوضيح والمراجعة لدروس المنهج للطلبة فى بيوتهم مجانا وكأنهم مع مدرس خاص وهذا ما تفعله وزارة التربية والتعليم منذ سنوات بشكل مكثف.
* تنمية الوعى لدى الطلبة وأولياء الأمور بضرورة تحمل المسئولية والاعتماد على النفس وأداء الواجبات يوما بيوم، و إقناعهم بأن الدروس الخصوصية ليسن غاية ولا هدفا وإنما يستطيع الطالب العادى أن يستغنى عنها إذا بذل جهده واستغل جهود المدرسة والأسرة والبرامج التعليمية والأنشطة التربوية، ويتم ذلك عن طريق الإذاعة المدرسية ومجالس الآباء والنوادى والمساجد والتعاون مع كافة الأجهزة التشريعية والتنفيذية والحزبية والحكم المحلى لتحقيق آمال المواطنين فى تعليم أولادهم وتنفيذ التعليمات الحكومية.
* تشجيع مجموعات التقوية فى المدارس العادية والمتميزة لمن يرغب من الطلاب ومشاركة أكفأ المدرسين فى هذه المجموعات وتحديد المواعيد المناسبة للطلاب حيث يتجدد فيها النشاط الذهنى للتلاميذ، وتنظيم الواجبات المدرسية وتنسيقها بين مدرسى الفصل الواحد فلا يرهق التلاميذ بمادة على حساب مادة أخرى وأن يكون لهذه الواجبات وظيفة علاجية لتحسين مستوى التلاميذ والسماح لهم باختيار المدرسين.
*يجب أن يدرك أولياء الأمور أن النجاح فى التحصيل المدرسى ليس هو كل شيء بل أن تكوين الشخصية له جوانب أخرى كالتدريب على الاعتماد على النفس والاستقلال والعمل بدافع ذاتى لتكوين الشخصية المتكاملة، وقد تكون الدروس الخاصة عاملا معطلا لتكوين مثل هذه الصفات.
* لا ينقاد أولياء الأمور لرغبات أبنائهم فى الدروس الخاصة من غير الرجوع إلى المدرسة والتفاهم بشأن أبنائهم ومدى احتياجهم لهذه الدروس، وقد يكون فى هذا الاتصال ما يدعو المدرسة إلى قيامها بعلاج ضعف التلميذ والعناية به.
*متابعة أولياء الأمور مع المدرسة والسؤال عن أحوال الطالب لضمان التعاون فى تأدية الواجبات المدرسية بانتظام.
*على التلاميذ أن ينظموا أوقات استذكارهم من مطلع العام الدراسى حتى لا يتعرضوا لهزات التأخر الدراسى آخر العام، الأمر الذى يدفعهم إلى الدروس الخاصة لتعويض ذلك، وعلى التلاميذ ألا يندفعوا وراء تقليد غيرهم فى أخذ هذه الدروس من غير أن يشعروا فعلا بالحاجة إليها، وعليهم أن يدركوا أن مسئوليات آبائهم كثيرة ولا يصح أن يرهقوا آبائهم بنفقات هذه الدروس والتى أصبحت مرتفعة جدا من غير أن يكونوا فى حاجة إليها، فكلما استطاع التلميذ أن يعوض ما فاته بنفسه كان ذلك أكثر فائدة فى تكوين شخصيته وأدعى لراحة الآباء.