الذكاء الاصطناعي وضرورة تطوير الجامعات
بقلم/ د. مديحة فخري محمود
أستاذ أصول التربية – كلية التربية جامعة حلوان
يُعد الذكاء الاصطناعي من أبرز التداعيات الناشئة عن الثورة الصناعية الرابعة، لذا أصبح من الموضوعات المهمة في السنوات الأخيرة، وحظي باهتمام بالغ في عناوين الصحف والمقالات، كما أصبح مجالا مهما من مجالات البحث والدراسة.
ويعتبر الذكاء الاصطناعي من المجالات الحديثة التي ظهرت مع التطور التكنولوجي الذي شهده المجتمع المعاصر في السنوات الأخيرة. فبفضل التقدم التكنولوجي أصبحت الآلة تفكر، وتفهم اللغات، وتحل المشكلات، وتقوم بتشخيص الحالات المرضية، وتلعب الشطرنج، وتعطي انطباعاً، وترسم اللوحات!
ويُعرف الذكاء الاصطناعي بأنه قدرة الآلات على القيام بمهام معينة تحاكي وتشابه تلك التي يقوم بها الإنسان، كالقدرة على التفكير أو التعلُم من التجارب السابقة أو غيرها من العمليات الأُخرى التي تتطلب عمليات ذهنية يقوم بها البشر. وقد أثبت الذكاء الاصطناعي قدرته على الانتشار بشكل كبير في العديد من المجالات المجتمعية والتعليمية، وتتطلب مسايرة مستجدات الذكاء الاصطناعي دمج تطبيقاته في العملية التعليمية ضمن التحول الرقمي في بيئات التعلم؛ حيث يعتبر تطوير التعليم مكوناً رئيساً في استراتيجية التحول إلى مجتمع معرفي. ويرى الكثيرون أهمية الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في التعليم؛ حيث يستخدم الملايين من الطلاب في السنوات القليلة الماضية شكلًا ما من أشكال الذكاء الاصطناعي في التعلم عبر منصات التعلم الرقمية.
وعلى الرغم من التقدم الذي أحرزه الذكاء الاصطناعي في مجالات عدة والفرص التي يتيحها بناء على ذلك والأدوار المتوقعة منه في المستقبل، فإنه مع ذلك أثار العديد من الإشكاليات وفرض العديد من التحديات التعليمية والقانونية والأخلاقية وغيرها. فالذكاء الاصطناعي ليس ابتكارا تكنولوجيا فحسب لكنه له العديد من الأبعاد الاجتماعية والتعليمية والاقتصادية؛ فقد جلب معه العديد من الفوائد والتطبيقات في مجالات كثيرة، غير أنه مع ذلك أوجد العديد من التعقيدات في المجالات ذاتها.
و تواجه الجامعات المصرية العديد من التحديات التي قد تضعف من قدرتها على الاستجابة لهذا المستحدث الجديد ذي الأبعاد المتعددة. ومن هذه التحديات الإدارة الجامعية ؛ حيث تحتاج للتطوير والتعديل وهو ما يفرض عليها المرونة في أداء الأعمال، و التعامل بقدر من الوعي والرشد ، وحسن استخدام الموارد المادية والبشرية استخداما يكفل تحقيق الأهداف بطريقة فعالة ودون هدر لها، و توافر المهارات التقنية اللازمة للتعامل مع المستجدات الحديثة، والقدرة على إدماج العناصر الشابة في هذه المنظومة الجديدة، وكذلك القدرة على استشراف المستقبل من حيث البرامج المطلوبة لسوق العمل والمعتمدة على الذكاء الاصطناعي، والاهتمام بالجانب الإنساني في مكان العمل وخلق بيئة محفزة فكريا واجتماعيا بين جميع الأطراف، والتأهيل الجيد للقيادات الإدارية.
كما يعتبر القصور في التشريعات المنظمة للجامعات المصرية من أبرز هذه التحديات، ويفرض ذلك وضع تصور للإصلاحات التشريعية والمالية الداعمة للذكاء الاصطناعي، وها يتطلب التعديل في قانون تنظيم الجامعات بما يؤدي لتيسير العمل ومرونته، وتعديل الهياكل المالية بما يكفل ويضمن تطوير البنية التحتية وإدخال المفاهيم الاقتصادية والاستثمارية المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. كذلك تطوير التشريعات والسياسات وقواعد ولوائح العمل وإجراءاته بما يؤدي لخلق بيئة تعليمية داعمة للذكاء الاصطناعي تسهم في الارتقاء بجودة العملية التعليمية.
كما يُعد الضعف بين مخرجات التعليم الجامعي وسوق العمل من أهم هذه التحديات أيضا، وهو ما يفرض التوافق بين ما تفرزه الجامعات من خريجين وتخصصات وبرامج، وبين ما يحتاجه سوق العمل بالفعل. كما تشكل ضعف البنية التحتية والتكنولوجية أبرز هذه التحديات وهو ما يتطلب نظام جيد للمعلومات في الجامعات، وزيادة القدرة الاستيعابية لنظم المعلومات والاتصالات. كذلك يعد ضعف المهارات لدى بعض أعضاء هيئة التدريس من أهم هذه التحديات، وهو ما يتطلب التنمية المهنية التي تتيح لهم التعامل وفق أساليب وأدوات ومصادر التعليم الجديدة.