هناك أشياء يتعلمها المواطن من الحكومة ربما تصب فى مصلحته حتى وإن كانت تبدو ضدها والأمثلة كثيرة وعلى رأسها غلاء الأسعار بشكل مبالغ فيه لا يتناسب مع الأحداث العالمية الجارية بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية. فمنذ اندلاع الحرب والمجتمع يشكو من زيادة مفرطة فى أسعار السلع حتى التى ليس لها علاقة بما نستورده من هاتين البلدتين.
وعلى الرغم من طمأنة الحكومة للشعب من حيث توفير القمح بالحد الآمن إلا أن ارتفاع سعر الخبز كان من الوهلة الأولى بعد الحرب تحسبا لأى مفاجآت قد تحدث على الرغم من عدم حدوثها!. والغريب أن قفزة الأسعار لم تكن بشكل مقبول يقبله العقل والمنطق، فقد قفز سعر علبة البولوبيف من ٤٣ جنيها إلى ٥٥، وحتى ساندويتش الفول والفلافل الشعبى الذى يمثل غذاء الطبقة الفقيرة قفز إلى ٤ جنيهات والفلافل التى كان يباع القرص منها بـ٢٥ قرشا يباع الآن بجنيه. لم تجد الحكومة مفرا من اللوم على عدم السيطرة على الأسعار سوى أن أعلنت عن صرف العلاوة السنوية مبكرا عن ميعادها والتى كان مقررا صرفها فى يوليو حتى أصبح صرفها فى أبريل فى محاولة لامتصاص غضب الجماهير.
أما الشئ المحزن حقيقة فهو عجز الحكومة عن إيجاد حل جذرى لإيقاف المهزلة التى تُسمى النصب العقارى. فهذه الظاهرة التى امتدت لعشرات السنين دون ردع أو حلول لها لا يزال ضحاياها يعانون أمام المحاكم دون جدوى، فمنهم من حصل على أحكام بالسجن ومنهم على أحكام بالغرامة ومنهم من حصل على الإثنين مع التمكين من الوحدة. إلا أن معظمهم قد وجدوا صعوبة فى تنفيذ هذه الأحكام.
وأذكر هنا إحدى القرى السياحية فى مدينة رأس سدر كمثال والتى تمثل جزءا من مجموعة شركات يمتلكها رجل أعمال محبوس على ذمة العديد من قضايا النصب والاحتيال نجد أن الشركة أجبرت الملاك على دفع زيادة فى سعر الوحدة لم يكن منصوص عليها فى العقد المبرم بين الشركة والمالك، إلا أن بعضهم قد وافق على هذه الزيادة ظنا منه أن جميع مشكلاته مع الشركة سوف تتوقف بعدها، وينعم بالوحدة إلا أنه يواجه العديد من المشكلات الأخرى مثل الانقطاع المتعمد للمياه والكهرباء، بالإضافة إلى عدم وجود صيانة للمباني وحمامات السباحة التى يستحيل النزول بها بعد ما أصبحت الطفيليات تعوم على سطح مياهها. أما باقى الملاك الذين يعيشون على أمل الوصول إلى مرحلة الاستلام فمازال الحلم يراودهم ويصدقون ما يتلى عليهم من وعود براقة وكاذبة لا يقتنعون بها إلا عند وقوعهم فى الفخ الذى تنصبه لهم الشركة حتى تتمكن من اقناعهم بدفع الزيادة ثم تبدأ معهم فى المراوغة.
الكل أصبح يعانى، فمن تسلم وحدته يعانى من عدم القدرة على المعيشة فيها أو تأجيرها أو حتى بيعها لأنه لن يجد من يدفع له أموالا فى قرية مهجورة ليس بها خدمات. أما الفصيل الآخر فهم من يترددون على أروقة المحاكم حتى الآن للحصول على أحكام ضد صاحب الشركة، إما باسترداد المبالغ المدفوعة مع التعويض المناسب وهذا أفضل، وإما باستلام الوحدة والتى ربما تكون مباعة للغير وحينها تبدأ رحلة أخرى للشقاء والمنازعات لإثبات الملكية. أما الرأى الصحيح فهو ما طرحه بعض المحامين عن ضرورة سحب المشروع بأكمله من هذه الشركة وإسناده للحكومة لإدارته وعودة الحقوق إلى أصحابها فى حال رغبة الحكومة فى إنهاء المشكلة، ولكن على مايبدو أن مثل هذه الحلول لم تكن على رأس أولويات الحكومة التى تعوم على بركة من المشكلات منذ عشرات السنين لم تستطع الخروج منها وتتزايد الديون عليها فلم تجد الوقت لكى تساعد المواطن المخدوع الذى أوقعته الظروف ليكون فريسة لمجموعة فاسدين بعيدين عن أعين الحكومة يتمتعون بمزايا تخصيص أراضي من الدولة لكى يتمكنوا من النصب على المواطنين تحت مراى ومسمع من المسؤولين الذين يعتلون المناصب لحل مشكلات الجماهير!.