بقلم- علي الحاروني:
يمثل الفساد خطراً داهماً علي التنمية في جميع بلدان العالم لأنه يزعزع ثقة المؤسسات والمستثمرين والجمهور في مؤسسات الدولة وأخطر أضرار الفساد أنه يتسبب في إصابة المؤسسات الديمقراطية في الدول بالضعف والبعد عن أداء رسالتها وتصبح معوقاً للتقدم والتنمية.
والفساد ظاهرة سياسية واجتماعية قديمة ويتعدي انتشارها الحدود والحواجز بين الدول بسبب ضعف قيم النزاهه وغياب مبادئ الشفافية وممارسة الرقابة الفعالة وتكلفته عالية جداً علي كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية حيث يعمل علي إعاقة التنمية والحيلولة دون تحقيق دولة القانون والمؤسسات.. فما هو مفهوم الفساد وأسبابه وقضاياه الشهيرة علي المستوي الدولي والإقليمي وآليات مواجهته لاسيما علي الصعيد الداخلي والدولي والإقليمي, مع بيان دور منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص في مكافحته وهذا ما نحاول تحليله عبر ثلاثة مباحث رئيسة.
أولاً- ماهية الفساد وأسبابه:
الفساد يعني خروج الشيء عن حال استقامته ونقيضه الصلاح وهو يعني اصطلاحاً وفقاً لما عرفته المنظمات الدولية المعنية بالفساد هو ذلك ” السلوك اللأخلاقي المتمثل بإستغلال ذوى المناصب الإدارية أو السياسية للسلطات والصلاحيات الممنوحة لهم بشكل غير قانوني لتحقيق منافع خاصة شخصية ويقف وراء تفشي ظاهرة الفساد في المجتمعاتلعديد من العوامل الإقتصادية والسياسية مثل الاستبداد والحكم الديكتاتوري وتزييف إرادة الشعوب وغياب الشفافية والرقابة الشعبية وضعف سيادة القانون وتدخل الحكومة في السوق الإقتصادي بديلاً عن دورها الإشرافي والرقابي وصنع السياسات العامة.
أيضا ضعف دور مؤسسات المجتمع المدني في الحياة العامة وعدم استقلالية المؤسسات المتخصصة في مكافحة الفساد والتي تعمل علي التوعية بأهمية مكافحته، مع إزدياد فرص إنتشار الفساد في البلدان التي تمر بمراحل إنتقالية، مع انتشار الجهل والتخلف وعدم الوعي بأهمية المحافظة علي المال العام ونبذ الواسطة والمحسوبية، مع قلة الوعي بطبيعة الفساد وأشكاله ومخاطره، مع ضعف الوعي الديمقراطي وخوف المواطن وعدم معرفة الآليات والنظم الإدارية وعدم القدرة علي الإعتراض علي أعمال الحكومة بسبب عدم استخدام نظام فعال للشكاوي، وأخيراً إنخفاض أجور الموظفين الحكوميين وارتفاع تكاليف المعيشة.
– ومن أهم أشكال الفساد الرشوة والمحسوبية والنصب والاحتيال والتزوير وغسيل الأموال.
ولعل أهم قضايا الرشوة التي عانت منها الدول والشركات خاصة فيما يتعلق بمجالات متعددة مثل الطيران والطاقة والسيارات والبناء والأسلحة وأسواق المال والأدوية والصناعة ومن أشهرها شركة لوكهيد للطائرات وشركة إيرباص الأوروبية وترويكا لوندروما وما وهو مصطلح يطلق علي 70 شركة وهمية تم تأسيسها بغرض غسيل الأموال وهذه الأموال انتقلت من روسيا إلي الدول الغربية من أجل إدخالها في عمليات غسيل أموال ضخمة، علاوة علي فساد شركة سيمنز الألمانية وصندوق التنمية الماليزي وشركة توتال وشركة دايلمر وشركة كيلوج براون أندروت الأمريكية العاملة في مجال البناء.
ثانياً- آليات مواجهة الفساد داخلياً وإقليمياً ودولياً:
هناك عديد من برامج العمل التي يجب تبنيها لمواجهة الفساد علي كافة الأصعدة:
– فعلي المستوى المحلي يجب تطوير الجهاز الإداري للدولة وتقديم خدمات ذات الجودة العالية وتفعيل آليات الشفافية والنزاهة وتطوير البنية التشريعية الداعمة لمكافحة الفساد وتحديث الإجراءات القضائية تحقيقاً للعدالة الناجزة ، مع زيادة الوعي المجتمعي بأهمية الوقاية من الفساد ومكافحته وتطوير برامج توعوية بخطورة الفساد في المدارس والجامعات وتضمين قيم النزاهة والشفافية بالمناهج الدراسية لمراحل التعليم قبل الجامعي وتفعيل الميثاق الأخلاقي للطلاب وأعضاء هيئة التدريس وإكساب الإعلاميين والصحيين المعارف الخاصة بالوقاية من الفساد ومكافحته وتفعيل دور الأكاديمية الوطنية لمكافحة الفساد لنشر قيم النزاهة والشفافية وتفعيل دور المؤسسات الدينية في نشر الوعي بخطورة الفساد وآثاره السلبية وكذلك حث الجهات الأكاديمية ومراكز البحوث علي إجراء الدراسات المتخصصة في مجالات منع ومكافحة الفساد والإستفادة من التجارب الدولية والإقليمية في مكافحة الفساد .
– تفعيل التعاون الدولي والإقليمي في منع ومكافحة الفساد:
من أجل مواجهة الفساد فلابد من التكاتف الإقليمي والدولي لمنع الفساد وسد منابعه وعقد دورات تدريبية لتبادل الخبرات بين جهات انفاذ القانون ونظرائها الإقليمية والدولية لتفعيل القائم منها والمشاركة في الفعاليات الإقليمية والدولية في مجال منع ومكافحة الفساد واسترداد الموجودات من غسيل الأموال .
ثالثاً- دور منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص في منع ومكافحة الفساد:
لعل من أهم أسباب الفساد ضعف منظومة الشفافية وصعوبة الوصول للمعلومات وضعف دور مؤسسات المجتمع المدني في الحياة العامة وخاصة تلك التي تعمل في مجال مكافحة الفساد مثل النقابات ومؤسسات البحوث والجمعيات ومحدودية دور الإعلام في الكشف عن قضايا الفساد وتقييد حريته في ذلك.
ومن هنا فإنه لا بد من تفعيل مدونات السلوك للقطاع الخاص والمجتمع المدني ودعم قدرتهما في مجالات منع ومكافحة الفساد وإطلاق مبادرات لمنع الفساد ومكافحته بالتعاون مع القطاع الخاص والمجتمع المدني فضلاً عن تسهيل مهمة المجتمع المدني والقطاع الخاص في الحصول علي المعلومات ولتأكيد مبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات والحرص علي وجود مجتمع خال من الفساد وذلك من خلال التنسيق والتكامل بين كافة الأطراف المعنية حكومة ومجتمع مدني وقطاع خاص وبما يضمن وحدة وتجانس تنفيذ سياسات مكافحة الفساد وتبني أنشطة وممارسات وفعاليات لمنع الفساد والوقاية منه وتحقيق المساءلة المجتمعية والرقابة الشعبية.