“المقاومة في السينما النُّسْوية السعودية .. في رسالة ماجستير للباحثة ياسمين علاء الدين عبدالعاطي

 

حصلت الباحثة ياسمين علاء الدين عبدالعاطي المعيدة بقسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، على درجة الماجستير بدرجة امتياز في العلوم السياسية عن رسالتها المعنونة: “المقاومة في السينما النُّسْوية السعودية .. دراسة حالتي الفيلمين “وجدة” لعام 2012 و”المرشحة المثالية لعام 2019″
 
عرض: أمنية حجاج

 

ركزت الباحثة في رسالتها على استطاعة الأعمال الفنية وعلى رأسها الأفلام السينمائية، في أن تعطي لنا مصادر غير تقليدية للتنظير السياسي في كل الأبعاد المتعلقة بالظاهرة السياسية محل الدراسة عامة، والدراسات النُّسْوية على نحو متقاطع مع هذه الظواهر خاصة. إذ تجيء السينما النُّسْوية لتقدم لنا شروحات مختلفة للممارسات والأبنية الاجتماعية والسياسية للنظام الأبوي القائم على القمع المستمر للنساء، فتكون تبعاته وتداعياته إما بالامتثال والخضوع إليه أو بمقاومته، وتبلورت هذه الصورة الواقعية والسينمائية في المنطقة العربية، خصوصًا بعد ثورات الربيع العربي.
ومن هنا؛ تبلور دور السينما النُّسْوية العربية في قدرتها على تفكيك الهوية الديناميكية المرتكزة على النظرة الذكورية، في تحليل موقع المرأة في الأفلام السينمائية، وانعكاساتها على أرض الواقع، وعليه؛ تتجلى أهمية الدراسة في ندرة الدراسات العربية القائمة على تحليل ماهية السينما النُّسْوية وتفسيرها، وبالأخص العربية، وتداخلها مع مفهوم المقاومة اليومية والجندرية/النُّسْوية لأوضاع النساء ذوات الخصوصية الثقافية في المنطقة العربية عامة، وفي المملكة العربية السعودية خاصة. فيمكننا تسكين الموضوع محل الدراسة في تخصص النظرية السياسية، مع الأخذ في الاعتبار تقاطعه مع الدراسات النُّسْوية والسينمائية.
وعليه؛ ترتكز الدراسة خاصة على الحالة السعودية، باعتبارها الفريدة من نوعها في السينما النُّسْوية العربية، ولا سيما في فترات ثورات الربيع العربي وما بعده؛ ويتبلور ذلك من حيث نشأة السينما وتطورها على نحو مُتسارع وفريد من نوعه في المنطقة العربية، وبالأخص الخليجية، وكذلك قدرته على تبلور ملامح السينما النُّسْوية بهذه الطريقة، واستخدامها أداةً لمقاومة المنظومة الأبوية/البطريركية في الحياة اليومية الخاصة بالنساء على أرض الواقع وبداخل الفيلم السينمائي. فجاء اختيار الفيلمين السعوديين محل الدراسة “وجدة” و”المرشحة المثالية” باعتبارها يمثلان النضال النُّسْوي العربي عامة والسعودي خاصة، بالإضافة إلى العوامل المجتمعية وأهمها السياسية، التي دفعت لذلك.
ومن ثم؛ تتحدد الفترة الزمنية للدراسة بدايةً من ثورات الربيع العربي حتى وقتنا الحالي، فتبدأ فترة الدراسة بالأخص في عام 2012 مع ظهور فيلم “وجدة” باعتباره أول فيلم روائي طويل ونُسْوي؛ فعلى الرغم من أن المملكة لم تشهد ثورات جلية كباقي بلدان المنطقة العربية، فإن هذه الثورات استطاعت أن تؤثر على الأوضاع الداخلية السعودية، بالأخص في القضايا المتعلقة بالسينما والمرأة، وكيفية تبلور وبروز المقاومة اليومية-النُّسْوية واستخدامها واللجوء إليها، مروراً بفيلم “المرشحة المثالية” لعام 2019 ليبلور لنا سلسلة متكاملة من تحليل المطالب والمقاومة النسائية/النُّسْوية السعودية المستمرة كالحق في التصويت والترشح في الانتخابات البلدية والحق في القيادة على نحو أكثر خصوصية خلال فترة ثورات الربيع العربي وما بعده. وصولًا في الوقت الحالي إلى انعكاس تباين العلاقة بين إعادة ميلاد السينما السعودية والحراك الفعلي والتحديث النوعي والتقني والإنتاجي، وبين إطارها الموضوعي المُحافظ على الهوية والخصوصية السعودية والخليجية شديدة التعقيد.
سعت الدراسة إلى تحليل العلاقة التبادلية بين السينما النُّسْوية السعودية والمقاومة اليومية والنُّسْوية، من خلال الإجابة عن التساؤل الرئيسي للدراسة، الذي تمثل في: “كيف برزت العلاقة التبادلية بين السينما النُّسْوية السعودية والمقاومة وبصفة خاصة في الفيلمين السعوديين “وجدة” (2012) و”المرشحة المثالية” (2019)؟ من خلال استعراض وتحليل الإسهامات النظرية والاقترابات الحديثة في الدراسات السياسية والنُّسْوية والسينمائية، باعتبار هذه الدراسة هي دراسة بينية- Interdisciplinary . اعتمدت هذه الدراسة على “نظرية الأفلام النُّسْوية”، وباستخدام منهج “الخطاب متعدد العناصر”؛ للإجابة عن اللغز البحثي الرئيس والتساؤلات الفرعية محل الدراسة، إضافةً إلى استخدام “دراسة الحالة” و”المقابلات” كأداةً من أدوات البحث.
وعليه؛ انقسمت الدراسة إلى ثلاث فصول رئيسية تركز بشكل تحليلي على ملامح السينما النُّسْوية السعودية وبروز استخدم النساء والنسويات المقاومة بداخل الفيلم السينمائي، وتوثيق المقاومة اليومية والنُّسْوية على أرض الواقع، واستخدام صناعة هذه النوعية من الأفلام بصفتها أداة للمقاومة في الوقت ذاته، وصولًا إلى تبعات وتداعيات هذه العلاقة التبادلية، سواء من خلال تحليل الفيلمين محل الدراسة أو على مستوى أرض الواقع من خلال تصريحات هيفاء المنصور ووجهة نظر المبحوثات/ين التي تمت استضافتهم سواء من خلفيات ناشطية أو أكاديمية مُتخصصة من مختلف الجنسيات العربية.
ومن ثم تمثلت نتائج الدراسة من خلال الإجابة عن التساؤلات الرئيسية للدراسة من الناحية النظرية والتطبيقية؛ من خلال استنتاج استمرارية الخلاف النظري والتطبيقي حول السينما النُّسْوية العربية وبالأخص من ناحية تسميتها، كذلك بروز أهم تحديات صناعة الأفلام النُّسْوية في المنطقة العربية والسعودية خاصةً بالتركيز على إشكاليات التمويل والإنتاج، واستغلال العديد من صانعي/ات أفلام السياق الإقليمي والعالمي لهذه النوعية من الصناعة. وبالنظر إلى الحالة السعودية، خلقت هذه النوعية من الأفلام مساحة غير واضحة حول أدوات الحراك النُسوي السعودي وصناعة الأفلام النُّسْوية المقاومة للمنظومة الأبوية والقرارات الفوقية الممنوحة من العائلة المالكة، إضافة إلى تحليل لجوء النساء والنسويات إلى هذه النوعية من صناعة الأفلام والمقاومة اليومية والنُّسْوية متماشيًا مع السياق السعودي الأبوي، وعليه تبلور تحليل عمل الفيلمين باعتبارهما مرآة للسياق الأبوي السعودي.
وعلى جهة أخرى؛ توصلت الدراسة إلى استمرار الأدوار الاجتماعية الملقاة على كاهل الفتيات والنساء السعوديات، وانحصار صورهن في الوظائف والممارسات التقليدية والمحافظة عليهن، بالإضافة إلى تداخل منظورات ومنهجيات المقاومة وممارستها الواقعة في صور مقاومة المنظومة الأبوية السعودية على أرض الواقع والفيلمين محل الدراسة، كذلك تسليط الضوء على الفيلمين محل الدراسة حول تحليل تحول الشخصيات المحورية في فيلمي “وجدة” و”المرشحة المثالية”، إلى جانب تصوير الشخصيات الرئيسية في الفيلمين من خلال بُعد واحد للشخصية السينمائية في ظل إطار مثالي واستثنائي للسياق، بالإضافة إلى التماهي في أدوار الرجال الموجودة في الفيلمين، وأيضًا عدم قدرة الفيلمين على التركيز بشكل واضح على أهمية تقاطعية الجانب الاقتصادي في تأثيره على صور المنظومة الأبوية وكذلك مقاومته، إضافةً إلى توجيه خطاب الفيلمين إلى العامةً ، باعتبار أن المسئول الرئيسي عن هذه المنظومة الأبوية يتوقف عند تحليل مستوى الأفراد والممارسات والعادات والتقاليد (المستوى الأسفل).
وعلى خلفية ما سبق ذكره؛ استطاعت الدراسة بيان العلاقة التبادلية بين هذه النوعية من الأفلام والمقاومة اليومية والنُّسْوية، باعتبارها مساحات بديلة ومضادة للمنظومة الأبوية المهيمنة من الناحية الإبداعية والفنية والسياسية-النُّسْوية، ما أدى إلى وجود حراك سياسي وثقافي سينمائي-نسوي قادر على رفع الوعي والصوت، حول القضايا النسائية والنُّسْوية المقاومة في المجال الخاص والعام والسياسي، وتسليط الضوء على أهمية تحليل هذه النوعية من الأفلام وبالأخص في سياقنا العربي، في قدرته على فهم وتفكيك المنظومة الأبوية بأشكال غير مباشرة وواضحة، وقادرة على “النخر البطيء” في مقومات قوة المنظومة الأبوية العربية والسعودية، كذلك جرى تسليط الضوء على تبعات هذه المقاومة من خلال الاستجابات الأبوية السعودية حول طرح الفيلمين وعرضهما وحصدهما العديد من الجوائز في المهرجانات الإقليمية والعالمية، ما يوضح أهمية دراسة هذه النوعية من الأفلام وقدرتها في تكوين الوعي واللاوعي وتكوين الهوية الاجتماعية الفردية منها والجماعية، والتأثير بإحداث أثر في الرأي العام واختراق أدوات اللاوعي عن طريق الصور الذهنية والإدراك في سلوك الجماهير المشاهدة لهذه النوعية من الأفلام، واعتبارها أداة من أدوات الوعي والتضامن النُّسْوي غير التقليدي سواء على مستوى التنظير السياسي أو الدراسات النُّسْوية.
مع الأخذ في الاعتبار، أن التحديات الرئيسية التي واجهت الدراسة تمثلت في ندرة المصادر الأجنبية وانعدام الدراسات العربية التي تتحدث عن تحليل هذه العلاقة التبادلية بين السينما النُّسْوية السعودية والمقاومة اليومية والنُّسْوية بشكل مباشر؛ ويرجع ذلك إلى حداثة الموضوع والقدرة على الوصول إلى المعلومات التي تتحدث عن هذا السياق بشكل واقعي ومُعمق، إلى جانب خوف العديد من المبحوثات/ين عند إجراء المقابلات الشخصية أو الإفصاح عن هوايتهن/م، نظراً إلى السياق السياسي-المجتمعي شديد الأبوية والاستبداد، والمضمون البحثي التي تختص به الدراسة بداخل السياق السعودي، ولكن يمكن النظر إلى هذا الجانب من التحديات باعتباره جزءًا محوريًا، يُثقل الدراسة المُقدمة التي تعمل على سد الفجوة العلمية والعملية التي تخص الموضوع محل الدراسة، وبالأخص في المنطقة العربية ودراستها متعددة المستويات.
وفي نهاية الدراسة، ومن خلال الإجابة عن تساؤلات الدراسة الرئيسية، وجدنا أن هناك قضايا أخرى جديرة بالدراسة وآفاق بحثية جديدة، مثل دراسة المقاومة اليومية في مقابل التواطؤ مع المنظومات الأبوية-الاستبدادية، وما هو الخط الفاصل بينهما من الناحية النظرية والتطبيقية، وكذلك دراسة إعادة توسيع الحدود بين ما هو ثقافي وما هو سياسي بداخل السياق السعودي، وقدرة هذه النوعية من الأفلام إلى اختراق المجال السياسي وخلخلته في ظل الدور الريادي الإقليمي الذي تسعى إليه السعودية فى الوقت الحالى.
Comments (0)
Add Comment