عرض: خالد فرج
كتاب “أيام في ذاكرة المصريين من ثورة 1919 إلى ثورة 30 يونيو 2013” للكاتبة الدكتورة عواطف سراج الدين من أهم الكتب التى صدرت عن مركز الأهرام للترجمة والنشر، فهو يُمْتع القارئ بأحداثه الفريدة من جهة، ومن ناحية أخرى فهو ينفع الباحث ويُعين السياسى على المعرفة بحكم التاريخ واستيعاب دروسه، بما أوردته المؤلفة من مادة علمية وتاريخية، يمكن أن تكون معينًا فى كشف الحقائق ومعرفة ملابسات الأحداث واستعادة ذكريات أيام كانت بمثابة دروس ينبغى الاستفادة منها وتجنب سلبياتها، خاصةً أن التاريخ لا يرحم والأسرار مهما كانت درجة إخفائها فسوف تفضحها الأيام.
يتناول الكتاب عبر تسعة عشر فصلاً ونحو 470 صفحة، أهم الأحداث السياسية التي مرت بها مصر منذ ثورة 1919 أول ثورة شعبية في تاريخ مصر الحديث وحتى ثورة 30 يونيو الحدث الأهم الذي عاشه المصريون منذ أطل عليهم القرن الحادي والعشرون .وراعت سراج الدين في ترتيب فصول الكتاب انتظام التسلسل التاريخي للأحداث، بحيث لا يتأخر ما حقه التقديم ولا يتقدم ما حقه التأخير.
تقول المؤلفة إنها اختارت فاتحة الكتاب بثورة 1919 لكونها أول ثورة شعبية مصرية فى القرن العشرين، بدا فيها المصريون على قلب رجل واحد فى مواجهة عدو واحد، هو المحتل البريطانى الذى تصور أن بإمكانه فرض قوته على إرادة أهل البلد الأصليين وتغليب مصالحه على مصالحهم، وإذ به يستيقظ من وهمه على هدير ثورة كالطوفان، كادت تقلعه من جذوره لولا انحناؤه لها وكأنه يسلم ببيت الشاعر الكبير أبى القاسم الشابى الذى يقول فيه:
إذا الشعب يومًا أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
كما اختارت أن تختتم الكتاب بثورة 30 يونيو التى أنقذت مصر من مؤامرة خطيرة كادت أن تغرق مصر فى حرب أهلية وتجعل أهلها أسرى للفتن، لولا تدخل الجيش المصرى فى الوقت المناسب وما شكله هذا التدخل من وقف للمشروع الأمريكى الذى أراد به تفتيت الدول العربية بمن فيها مصر. فقد كانت ثورة 30 يونيو أهم حدث عاشه المصريون منذ أطل عليهم القرن الحادى والعشرون شارك فيها ما لا يقل عن 33 مليون مصريًا فى مشهد نادر لم تعشه أية دولة فى العالم من قبل، مما أدى لعزل الرئيس محمد مرسى وتعليق الدستور ووضع خريطة طريق جديدة لإعادة بناء النظام السياسى.
فما بين الثورتين 1919 و30 يونيو، تناولت سراج الدين ثورات وانتفاضات ومحاولات انقلاب واستبدال نظم سياسية بنظم سياسية أخرى، وحروب وهزائم وانتصارات وعمليات اغتيال لشخصيات سياسية مهمة، وحللت قرارات تاريخية ومعاهدات غيرت شكل المسرح السياسي وسمحت بمعادلات جديدة في إدارة الصراعات وتحديد الأولويات وإعادة بناء موازين القوى.
وكما ذكرت الدكتورة عواطف سراج الدين فإن مصر بين الثورتين مرت بأحداث جسام تمثل نقطة تحول مهمة في تاريخ مصر المعاصر لكونها نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة فبدأت بسعد زغلول وثورة 1919، ومقتل السير لي ستاك، وانتفاضة 1935، وحادثة 4 فبراير، وحصار قصر عابدين 1942، وثورة 23 يوليو 1952، وعزل محمد نجيب 1954، وتأميم قناة السويس 1956، واغتيال السادات 1981، وتولية مبارك 1981، ثم ثورة 25 يناير 2011، وهكذا حتى ثورة 30 يونيو 2013 التي شارك فيها ما لا يقل عن 33 مليون مواطن مصري في مشهد نادر لم تعشه أي دولة في العالم من قبل مما أدى لعزل الرئيس مرسي وتعليق الدستور ووضع خريطة طريق جديدة لإعادة بناء النظام السياسي، وإنقاذ مصر من مؤامرة خطيرة كادت تغرق مصر في حرب أهلية وتجعل أهلها أسرى للفتن لولا تدخل الجيش المصري في الوقت المناسب وما شكله هذا التدخل من وقف للمشروع الأمريكي الذي أراد تفتيت الدول العربية بما فيها مصر.
وتوقفت الكاتبة عند ثورة 23 يوليو 1952 وأخذت على الضباط الأحرار جفاءهم للديمقراطية قائلة ” وبدأ لأول ملامح جفاء الضباط الأحرار للديمقراطية من خلال التشويه الممنهج للنظام الحزبى الذى كان سائدا قبل قيام حركة يوليو، باعتبار ذلك النظام قد أثبت فشله فى تحقيق المهمة التى كانت موكلة إليه فى إجراء عمليات تحديث عبر التوسع فى التصنيع وباعتباره -وهذا هو الأهم- قائما على الانتهازية والتلاعب بالمصالح، ومن ناحية أخرى لم يكن بوسع الضباط الأحرار الاعتماد على الجماهير وبحكم طبيعتهم كطبقة عسكرية متوسطة كانوا غير واثقين فى إمكانية أن يكون الحكم فى يد الجماهير باعتبار الاحتكام للشارع عملية تمد للفوضى وتكرس للعشوائية”.
وتبين سراج الدين حول ما جرى بعد انتصار أكتوبر 1973 بانتقال مصر من عصر الهزيمة إلى عصر الانتصار كان لا بد من رؤية لسياسة جديدة تتحرر من قيود الماضي وتراكماته وتدفع بعجلة التنمية لآفاق من المستقبل الواعد، والذي حاول السادات أن يرسم ملامحه فيما أطلق عليه «ورقة أكتوبر» وكان ذلك عام 1974.
وشخصت المؤلفة مشكلات مصر الاقتصادية في أن عبء الإنفاق العسكري هو من هبط بمعدل النمو في مصر من نسبة 67% سنوياً خلال الفترة من 1956 إلى 1965 إلى 5% فيما بعد، وأن السبيل لاستعادة معدل النمو القديم غير ممكنة أبداً في ظل غياب الموارد الخارجية، ولا سبيل للحصول على تلك الموارد -من وجهة نظر السادات طبعاً- إلا عن طريق الانفتاح الاقتصادي على العالم كله، شرقه وغربه .. جنوبه وشماله، ذلك الانفتاح الذي سيزود مصر بما تحتاجه من العملة الصعبة وكافة الموارد المالية اللازمة للتنمية، وسيزودها كذلك بأحدث الوسائل التكنولوجية الحديثة.
تشرح المؤلفة بعد ذلك، أن السادات بقراره ذاك وقع في فخ تكريس سيطرة الشركات الأجنبية على الاقتصاد المصري، وبداية انحسار القطاع العام وتقلصه فيما بعد. فانقسام الاقتصاد المصري إلى أجزاء متناقضة ومتناثرة بسبب الخلط بين رأس المال المحلي والعام والأجنبي، وبسبب الحاجة لقواعد جديدة وآليات جَرَت القطاع الخاص تدريجياً للصدارة بينما تركت القطاع العام يموت تدريجياً تحت تأثير البيروقراطية والفكر المتحجر وعدم الرغبة في فتح أي نوافذ للتغيير.
وتحت عنوان “الثورة المحتومة.. الطريق إلى ثورة 25 يناير 2011” تعرضت عواطف سراج الدين لفترة حكم مبارك قائلة “شاء القدر أن يرحل السادات فى يوم عرسه ويتولى نائبه محمد حسنى مبارك زمام الأمور فى بلد يراه العالم رمانة الميزان فى الشرق الأوسط، وهو لم يسبق له أن مارس السياسة قط أو اتخذ موقفا سياسيا حيال أى قضية صغرت كانت أو كبرت أو امتلك رؤية أو هدفا سعى لتحقيقهما، على غرار عبد الناصر والسادات واللذين كانا قد وصلا إلى سدة الحكم وفى رأس كل منهما مشروعه الخاص الذى استمات فى تحقيقه والدفاع عنه”.
وناقشت الكاتبة الخطوات السياسية الخاطئة التى ارتكبها نظام مبارك ومنها انتشار الفساد فى مصر، والهرولة نحو الخصخصة، والتخلى عن الفئات الأكثر احتياجا، وعموم الأمراض المجتمعية، وتصدير الغاز لإسرائيل، وتجريف وإضعاف الأحزاب السياسية، وانتخابات مجلسى الشعب والشورى، وتفجير كنيسة القديسين، كل هذه الأسباب وغيرها كانت سببا فى إشعال ثورة 25 يناير المجيدة.
وتشير سراج الدين إلى أن من أكبر الكوارث التي ابتُليت بها مصر أيام حسني مبارك، ومن أهم الأسباب التي أدت لإزاحته عن السلطة أيضاً تغلغل الفساد وتحكمه في كافة مرافق الدولة وأجهزتها، وبحسب تقرير صادر عام 2007 عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء أنه لم تسلم أي محافظة مصرية من الفساد الإداري. وتؤكد المؤلفة أنه سبق وأصدرت منظمة الشفافية الدولية تقريراً سنوياً أشارت فيه إلى أن مصر تحتل المركز 72 ضمن قائمة الفساد العالمي، كما أنه، وفور تنحي مبارك عن الحكم في 11 فبراير 2011 بدأت النيابة الإدارية التحقيق في 40 ألف قضية فساد مالي وإداري.
وتخلص الكاتبة إلى أن المرحلة التي تعيشها مصر الآن لا تزال في حاجة للمزيد من الوقت للوقوف على الحقائق كاملة، خاصة أن هناك وثائق جرى إحراقها أو إخفاؤها، وهناك وثائق تسرب عمداً أو لم يفرج عنها بحكم المدى الزمني المقرر لإخراج أية وثيقة إلى النور، وهناك اعترافات تتوالى من جانب شخصيات سياسية رفيعة التزمت الصمت بعد ثورة 25 يناير 2011.
يُذكر أن الدكتورة عواطف سراج الدين هى حرم السياسي الكبير يس سراج الدين، حصلت على درجة الدكتوراة مع مرتبة الشرف من كلية الآداب جامعة عين شمس في دراسة الموقف الأميركي من قضية الصراع العربي الإسرائيلي، وحاصلة على الدكتوراة الفخرية من الأكاديمية الدولية للعلوم (جنيف) التابعة لهيئة الأمم المتحدة، رائدة من رواد العمل الاجتماعي ولها مؤلفان: الولايات المتحدة والصراع العربي الإسرائيلي 1963-1967، وأحمد لطفي السيد: معاركه السياسية والاجتماعية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ