دكتور /محمد عسكر
مستشار التكنولوجيا وخبير أمن المعلومات
في عام 1992، كتب الروائي الأمريكي نيل ستيفنسون روايته الأشهر”حطام الثلج”، وفي هذه القصة الخيالية، يتحدث ويتواصل البشر مع بعضهم البعض في بيئة إفتراضية ثلاثية الأبعاد مماثلة للعالم الحقيقي بصورة مجازية. وفي تلك الرواية تحديدًا ظهر مصطلح “الميتافيرس” للمرة الأولى. ومنذ ذلك الحين، يتم إستخدام مصطلح “الميتافيرس” لوصف العالم المبني على الواقع الإفتراضي حيث يمكن للأشخاص التفاعل والإبداع والإستكشاف في بيئة مشتركة غامره مشابهه تماما للواقع للذى عهدناه.
ولربما جاءت الخطوة الأجرأ لتحويل ذلك الخيال العلمي إلى تقنية حقيقية في أكتوبرعام 2021، عندما أعلنت شركة فيسبوك تغيير اسمها إلى ميتا، وبدأت تستثمر مليارات الدولارات لتحويل نفسها إلى شركة تركز بالأساس على تطوير الميتافيرس – وهي رؤية يقودها مؤسس الشركة ورئيسها مارك زوكربيرغ. إن ميتافيرس ليس منصّة أو تطبيقًا واحدًا، ولكنها شبكة من المساحات الرقمية المترابطة التي تغطي مجالات مختلفة، مثل الألعاب والترفيه والتعليم ووسائل التواصل الاجتماعي. ولا يزال ميتافيرس يتطور ويواجه العديد من التحديات والفرص المستقبلية، حينها سيكون من المثير للإهتمام أن نرى كيف يمكن له أن يشكل مستقبل التجارب الرقمية البشرية.
الميتافيرس هي عبارة عن شبكة إجتماعية ضخمة تقوم على أنواع معقدة ومتداخلة من تكنولوجيا الواقع الإفتراضي (VR) والواقع المعزز (AR) والواقع المختلط (MR)لتشكل معاً مزيجاً يكون ما يسمى بالواقع الممتد (XR) بالإعتماد على تقنيات البيئات ثلاثية الأبعاد(3D) لتكوين كائنات إفتراضية تتكامل بشكل وثيق مع المحسوسات المادية والبشرية، وتتداخل معها أيضاً تقنيات الذكاء الإصطناعي وإنترنت الأشياء والرؤية الحاسوبية والمستشعرات الحسية وتقنيات أخرى كالبلوكتشين لضمان تخزين البيانات والتعامل معها بما يضمن الحماية والخصوصية للمستخدمين. ويشترك فيها عدد غير محدود من الأشخاص حول العالم يتم التفاعل بينهم في الوقت الحقيقي وبشكل فعال ومستمر، بحيث توفر بيئة إنغماس حقيقة للمستخدمين وإحساسا حقيقيا بتواصل حقيقي إفتراضي في بيئات مشابهة تماماً للبيئات الحقيقه في الواقع.
إن ميتافيرس هي عالم ما بعد الواقع الذى يتم فيه دمج الواقع المادي مع البيئات الإفتراضية بشبكة متصلة تضم تفاعلات مستمرة ومتعددة الأشخاص، ويتم تمثيل المستخدمين فيها بصور رمزية والتفاعل بينهم في الوقت الفعلي وبإحساس غامر يعيشه المستخدمين ويطلق على هذه الرموز أفاتار.(Avatar) وهناك العديد من المميزات التي ستعود على العالم عند إستخدام الميتافيرس حيث سيمكنك الميتافيرس من زيارة كل ما هو موجود في العالم والعيش بداخله وكأنك تعيشه في الواقع. سيساعدك العالم الإفتراضي على تنميه كل مهاراتك مما يزيد من تركيزك وقدراتك العقلية. ستتمكن من رؤية كل ما هو موجود في العالم الإفتراضي مجسمًا كأنك ترى أشخاصاً وكائنات حقيقية. سيمكنك الميتافيرس أيضًا من إستخدام شبكات الإنترنت المحلية والعالمية ؛ مما يجعلك قادر على المشاركة مع الآخرين في كل البيئات المختلفه حول العالم، وهذا سيساعد بلا شك على زيادة الترابط المجتمعى وتبادل الثقافات. لقد رأينا بالفعل شركات تفتح فروعا لها على منصات ميتافيرس وليدة مثل “هورايزون وورلدز” التابعة لشركة ميتا، إضافه إلى بعض الألعاب الإلكترونية مثل روبلوكس وفورتنايت، كما أن هناك فضاءات أُنشأت حديثا مثل منصه ساندبوكس حيث تبيع شركة نايكي حاليا أحذية رياضية “إفتراضية” من خلالها، كما يمتلك مصرف إتش إس بي سي أيضًا أرضا داخل هذه المنصة ، وبالمثل هناك شركات مثل كوكاكولا ولويس فويتون لها وجود داخل منصة ديسنترالاند.
وفي ضوء ذلك، فسوف تتسابق كبرى الشركات بجميع المجالات وليست التكنولوجية فقط، إلى الإنضمام إلى هذا العالم؛ لمواكبة ما يحدث من تغيرات جوهرية سوف تؤثر على شكل ونمط الحياة في العالم كله. فهل سنحتاج إلى قواعد جديدة تماما تحكم تلك الفضاءات الجديدة؟ هل سنقضي وقتا داخل تلك العوالم الإفتراضيه أكثر من الوقت الذي نقضيه في العالم الحقيقي؟ وهل ستتصل العوالم الإفتراضية المختلفة ببعضها البعض بطريقة لا تتم حاليا بين التقنيات المنافسة؟ لا توجد لدى إجابات على أي من تلك الأسئلة حتى الآن، ولكن ذلك لا يمنع الاهتمام الكبير بالميتافيرس والمبالغة في الحديث عنه والترويج له، حيث ترى الشركات فيه وسيلة جديدة لتحقيق الربح. ولكن هناك تساؤلات أخرى تدور في ذهنى، هل الإنسان طَوّر وتَطّور في مجال التكنولوجيا وما يرتبط بها إلى الحد الذي أفرط فيه وتجاوز وأصبح يشكل تهديداً للبشريه؟ وهل بدأت معالم واقع مختلف تحكمنا فيه التكنولوجيا تتشكل بوضوح؟ أم هل ستكون التكنولوجيا وما أفرزته من أدوات هي العصا السحرية في حل مشاكل البشرية منذ الأزل؟ هل سيعيش البشر في اللاواقع واللانهاية وتكون هناك بداية النهاية؟ هل نحن نسير بلا وعي خلف التكنولوجيا أم أننا مجبرون على ذلك؟
ربما لا أملك إجابة لهذه التساؤلات الغامضة، ولكن ربما يجيب عليها الزمن، وبمرور الوقت تتضح الحقائق.