لا شك فى أن الرئيس السيسى أنجز ما لم يتم إنجازه فى فترة أى رئيس آخر حريص على بقاؤه فى منصبه. فقد بدأ حياته السياسية عندما أنهى حكم الإخوان ومعهم أصحاب الأجندة الخارجية الذين خططوا لتقسيم مصر فكانت نهايتهم فى ٣٠ يونيو التى أطاحت بأحلامهم . فالإخوان ظلوا يعملون على مدى أكثر من ثمانون عاما لكى يغتنموا تلك الفرصة الذهبية واعتلاء مقاليد الحكم فى مصر والذى اعتقد بعضهم أنها النهاية ولن تخرج من بين أيديهم أبدا فيتم الإطاحة بهم بعد ثورة وغضب وسخط شعبى عليهم .
ولهذا، قام الشعب المصرى بثورة شعبية للإطاحة بالنظام بمساندة القوات المسلحة التى وقفت بجانب رغبة الشعب على الرغم من ضعف إمكانات الشرطة فى ذلك الوقت، وعلى الرغم من تصنيف الجيش المصرى فى ذلك الوقت بأن جيشه ليس أحد أكبر جيوش عشرة دول فى العالم كما هو مصنف الآن. لم يكتفى الرئيس السيسى بهذه الخطوة الجريئة بل تفرغ بعد تقلده رئيسا لمصر لتقوية الجيش وتنوع مصادر السلاح من جميع الدول حتى نخرج من الهيمنة الأمريكية وهو الأمر الذى أغضب الولايات المتحدة، ولكن قوبل بتقارب وترحاب من روسيا .
وقد اهتم الرئيس السيسى بتقوية الجيش لما يعلمه كرجل مخابرات بحجم المؤامرة على مصر خاصة بعد الاكتشافات الغازية فى البحر المتوسط وقد انتشرت مقولته الشهيرة فى ذلك الوقت بأن محدش يقدر ياكل لقمته .
وقد حذر السيسى فى خطاباته بأن الأمر ليس سهلا بل سوف نواجه صعوبات وتحديات كثيرة . فكيف تصمت أمريكا ودول الغرب على دولة مثل مصر بأهميتها ودورها الاستراتيجى فى الشرق الأوسط لتكون دولة عظمى؟ فهى الدولة الوحيدة المحيطة بالمخاطر على حدودها، إلا أن العقبة التى تقف أمامهم هى الجيش المصرى القوى وتسانده قوى الشعب . فحاولوا نشر الإرهاب فى سيناء ولكن الجيش قضى عليه تماما .. حاولوا قطع جزء من المعونة الأمريكية كعقاب للتقارب المصرى-الروسى فلم ينجحوا، وحاولوا تضييق الخناق على مصر اقتصاديا واستغلال موقفها الاقتصادى للضغط عليها لتهجير الفلسطينين وفشلوا ، وأرسلوا حاملات الطائرات وأكبر أساطيلهم البحرية لست دول لجس النبض ومعرفة قدرات الجيش المصرى فأصابهم الذعر وتراجعوا.
والولايات المتحدة ودول الغرب الحليفة لها الآن فى حيرة من أمر هذا الرجل لأنهم ظنوا أنه سيخسر شعبيته فى الشارع المصرى، ومن المؤكد أنه سيخسر أيضًا الانتخابات الرئاسية، لكنه فاز باكتساح للمرة الثانية التى تراهن فيها أمريكا ودول الغرب على ثقافة الشعب المصرى وتخسر الرهان، لأن الشعب المصرى عند الشدائد ينحى الخلافات الناشئة عن غلو الأسعار جانبا ولا يتذكر سوى أمر واحد هو الانتماء للوطن.
فأداء الرئيس السيسى فيما يخص الإنجازات لا خلاف عليها فمصر قد تغيرت كثيرا خلال سنوات حكمه .. ولكن اختيار الحكومة قد يكون هو الشيء الوحيد السلبى فى هذه الفترة العصيبة فهى حكومة لم تنجح فى المضى بنفس أداء الرئيس ويكفي أنها فشلت فى السيطرة على الأسعار وعجزت عن توفير أهم السلع الاستراتيجية وحدث فى عهدها موجة غلاء لم يكن لها مثيل من قبل نتيجة غياب الرقابة. وكل ما يشغلها هو كيفية الحصول على الأموال لسد عجز الموازنة بدلاً من زيادة الإنتاج والاكتفاء الذاتى.
ومن الأمثلة التى تحتاج تدخل من الحكومة وتكررت لديها الاستغاثات والشكاوى هم المتضررين من شركات النصب العقارى ولم يجدوا استجابة على الإطلاق على مدى أكثر من عشر سنوات وحتى الآن. فهل نجد من يهتم بمشكلات الشعب والبقاء على حقوقهم المشروعة بدلاً من حكومة أقل ما يقال عنها أنها سوف تفقد بامتياز ثقة الشعب فيها.
لذلك، فعندما تقدم هذه الحكومة استقالتها فى أبريل القادم نتمنى أن تكون مثل حكومة الجنزورى التى كانت ترفع شعار “حكومة الغلابة”.