ذكرى نصر العاشر من رمضان محفورة في وجدان المصريين

تحقيق- حسـني كمـال

 

د. محمود عبده نور – أستاذ التاريخ الإسلامي – جامعة الأزهر:

الإيمان بالله وحسن التخطيط الدقيق وروح الفريق الواحد من أسباب النصر في العاشر من رمضان والسادس من أكتوبر 1973.

العميد خالد عكاشة:

الإيمان بالله ووضع خطة خداع استراتيجي محكمة وعامل المفاجأة أحد أسباب نصر أكتوبر المجيدة.

 

أكد العلماء، أن شهر رمضان هو شهر الانتصارات، وأعظم الفتوحات كان في شهر رمضان، وأن الإيمان بالله كان على رأس عوامل النصر في معركة العاشر من رمضان، بالإضافة إلى توضع قادة القوات المسلحة، ومعنوياتهم العالية، وإيمانهم بالقضية، وأنهم على حق، ووضع خطة خداع استراتيجي محكمة، وعامل المفاجأة، ووقوف الشعب وراءه جيشه، والتدريبات القتالية العالية، لقوله تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم).

وأكد الدكتور محمود عبده نور، أستاذ التاريخ الإسلامي، بجامعة الأزهر، أن حرب أكتوبر كانت في شهر عظيم ارتبط بالروحانيات العالية، ومن هنا كان النصر، وسطر المصريون بإيمانهم بالله وتوكلهم عليه وحسن التخطيط الجيد، حربا تم تدريسها في دول أوربا، لدقة التنفيذ الميداني، وقدمت نماذج فريدة بطولات لم تأخذ حقها من الأفلام السينمائية أو المسلسلات، كانت هناك تضحيات، رواها لنا هؤلاء الأبطال بأنفسهم، بالإضافة إلى هذا كانت هناك روح الفريق الواحد، ولذا صاحبهم الله بعنايته وقدرته فأعزهم بهذا النصر العظيم، وكان النصر حليفنا لعدة أسباب منها: الإيمان بالله وحسن التوكل عليه، وثانيا، عبقرية التخطيط الاستراتيجي، بكل أبعاده المختلفة، سواء على المستوى السياسي أو العسكري أو الاقتصادي أو الإعلامي، هذا بالإضافة إلى الصبر والثبات، وهذا في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ)، وقوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاتُظْلَمُونَ).

الثبات في المعارك

أوضح د. نور، أنه قد سبقنا المسلمون الأوائل في كثير من المعارك، فكان الثبات في المعركة وذكر الله كثيرا بالنداء الخالد شعار المسلمين في معاركهم الحربية، بل وفي سائر أمورهم: “الله أكبر”. كما كان بالأمس البعيد، عندما هزم المسلمون اليهود في خيبر، وكبر النبي ثلاثا معلنا خراب خيبرهم: (اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ) قالها ثلاث. وكان الإعداد لهذه المواجهة العسكرية، وهو ما يمثل الأخذ بالأسباب، من حسن التوكل على الله.

كذلك في بدر، حينما نفذ المسلمون ما جاءهم بقول الله تعالى: (وأعدوا لهم..)، وحينما علمهم النبي، أحاديثه الشريفة، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا )، وقوله صلى الله عليه وسلم: (يا أيها النَّاسُ، لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ العَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ)، ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ).

تحديد وقت الحرب

أشار د. نور، إلى أن الصبر والثبات، جاءا في العصر الحديث في هذه الحرب المجيدة، والدليل على ذلك، أن الحرب تم تحديدها وارتباطها بهذا الشهر، فكان تحديد الوقت، عنصرا مهما لرفع معنويات المقاتلين، بعد الإعداد الجيد وعلمهم بأن الله ينصر من يتقرب إليه، في قوله تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز), وقوله: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)، وقوله تعالى: (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ). فالصبر والثبات من أهم أسباب النصر، التي علمها الإسلام للمؤمنين، وقد جسدهما الجيش المصري في ميدان معركة العاشر من رمضان على أحسن صورة في العصر الحديث.

قادة متواضعين

وأضاف، لا ننسى أن قادة الجيش المصري في هذه الحرب شهد لهم الجميع بتواضعهم، وإيمانهم بالله، وكان متأصلا في قلوبهم حب الوطن والأرض والحفاظ على العرض، والتفافهم وحب الشعب لهم، فكانوا من وراءهم، وكانوا يثقوا في نصر الله لهم، وقدرته على ذلك، لأن القادة زرعوا بينهم أنها حرب استرداد الكرامة والشرف، واسترداد الأرض.

خداع استراتيجي

أكد العميد خالد عكاشة، الخبير الأمني، أن من أهم أسباب النصر في معركة العاشر من رمضان، خطة وضعها رجال أقوياء عرفت بـ”خطة الخداع الاستراتيجي” وكانت تمثل الإجراءات الأساسية التي تعدها دولة أو قوى معينة قبل القيام بهجوم مرتقب منها على العدو، وذلك لتضليل هذا العدو، من خلال أجهزته المختلفة وخاصة رجال المخابرات الحربية، عن التقدير الصحيح لقوة واستعداد وتخطيط تلك الدولة أو القوى المهاجمة؛ مما يحدث أثرا كبيرا لصالح القوى المهاجمة، وضد العدو المستهدف،  وتقوم هذا الخطة، في أحد أبعادها، على صرف نظر العدو على الاهتمامات الاستراتيجية والإعدادات التكتيكية الخاصة بالحرب بالنسبة للدولة المهاجمة، وإيهام العدو باهتمامات أخرى لا تتسق مع توجه الدولة للحرب أو مهاجمة العدو، وقد تشمل إجراءات خطة الخداع الاستراتيجي معظم الأبعاد الخاصة أو ذات الصلة بالإعداد والهجوم، السياسية والاقتصادية والإعلامية. وتعتبر هذه الخطة، هي الأساس الداعم والمكمل لخطة الهجوم العسكري، وأثرها يتركز على عدم، أو ضعف استعداد العدو للهجوم المرتقب ضده، مما يجعل بداية الهجوم، على الأقل في صالح الدولة المهاجمة، وعادةً ما تكون هذه المرحلة حاسمة في إرباك العدو وعدم تحكمه في إدارة المعركة بالوضع المناسب له.
عامل المفاجأة.

وأضاف الخبير الأمني، أن هذه الخطة أعدت بعناية فائقة وتم تنفيذها بدقة بالغة، وقد بدأت (خطة الخداع الاستراتيجي)عندما عين القيادة السياسية المشير أحمد إسماعيل رئيسا لجهاز المخابرات العامة في (مايو 1971م)، وكلفت المخابرات بإعداد (خطة الخداع الاستراتيجي)؛ بدأها المشير على الفور في رسم وتنفيذ هذه الخطة، وكان التنسيق مشتركا مع جهاز المخابرات الحربية وهيئة العمليات بالقوات المسلحة. وفي أوائل يوليو 1972 عقد الرئيس السادات اجتماعات في مقر المخابرات العامة لبحث الشكل الأولى لـ “خطة الخداع الاستراتيجي”، واعتمدت الخطة الاستراتيجية على المزج بين جهود كل الأجهزة التنفيذية لمصر، وفي مقدمتها وزارة الحربية والخارجية والإعلام، قبل البدء في العمليات العسكرية بنحو ستة أشهر، وكان المقصود تحقيق هدفين: أولهما إخفاء الاستعداد العسكري المصري للقيام بالهجوم، والعمل على استشعار العدو للعكس، والثاني، حجب بدء موعد الهجوم المصري السوري لتحقيق مبدأ المفاجأة، وما يترتب عليه من ارتباك العدو وعدم إجهاض الاستعدادات المصرية والسورية.

شهر الانتصارات

وأكد الدكتور وجيه محمود، أستاذ الدراسات الإسلامية، بجامعة المنيا، أن رمضان له شأن آخر، فهو شهر الانتصارات، لأن الحالة الإيمانية تكون مرتفعة، فيكون المؤمن في أفضل حالاته مع الله، فالشياطين مصفدة، والأهواء مقيدة، والنفس في حالة طهارة، والرحمات من الله كثيرة، فهو شهر الخير والبركة، وتضييق سبل الشر والفساد، ولذا كان رمضان ميدانا لانتصارات المسلمين على الأعداء، ونذكر من تلك المعارك، معركة بدر، في السنة الثانية الهجرية، وفتح المسلمين لمكة، وفتح البويب، وكبح جماح الفرس عام 13 هجرية، وفتح الأندلس، وفتح عمورية، وانتصار صلاح الدين على الصليبيين في معركة حطين، وانتصار المسلمين على الصليبيين في المنصورة أيضا، وانتصار المسلمين على المغول، وفتح قبرص، وأخيرا، انتصار مصر على اليهود في العاشر من رمضان، وهذا من أجمل الذكريات التي نتحدث عنها.

Comments (0)
Add Comment