زهرة شوشة تكتب: الدراما المصرية الحالية تهيل التراب على أصالة دراما الزمن الجميل

زهرة شوشة تكتب: الدراما المصرية الحالية تهيل التراب على أصالة دراما الزمن الجميل

لم تعد الدراما المصرية الحالية تعبر عن المجتمع كما كانت فى دراما الزمن الجميل بل أصبحت مشوهة تروج لنمط حياة وقيم لا تمت لواقع المصريين بصلة. في الماضي كانت المسلسلات تحكي قصصًا صادقة عن الأسرة المصرية وعن الصراع بين الخير والشر وعن نضال البسطاء في مواجهة الظلم، وكانت تقدم نماذج يمكن للمشاهد أن يراها في بيئته اليومية. أما اليوم فقد تحولت الدراما إلى ساحة عبثية تعكس صورة مغايرة تماما للمجتمع وكأن المصريين فقدوا هويتهم وأصبحوا مجرد شخصيات هامشية في عالم خيالي تفرضه الشاشة عليهم.

المتابع للأعمال الدرامية المعروضة حاليا يجد أنها تصدّر العنف والإسفاف وقلة الأدب والقذارة .. من أجل تشويه مصر والمصريين باعتباره الحل الوحيد لكل مشكلة وتجعل البلطجة والاحتيال والفساد سلوكا عاديا بل ومحببا لدى البعض. فلم يعد هناك مكان للقصص التي تحتفي بالاجتهاد والنجاح النظيف ولم يعد هناك اهتمام بإظهار القيم التي صنعت هذا المجتمع المتماسك رغم كل التحديات. عوضا عن ذلك، أصبحت الشخصيات إما رجال أعمال فاسدين، أو بلطجية يتحكمون في الشارع، أو نساء لا هدف لهن سوى الصراع على النفوذ والمتعة، وكأن هذه النماذج هي السائدة في مصر، بينما الحقيقة أن الغالبية العظمى من المصريين يعيشون حياة مختلفة تماما، قائمة على العمل والكفاح وعلى القيم الأخلاقية التي يتم تجاهلها عمدا في هذه الأعمال. فأين الرقابة .. أين ضمير الممثلين .. أين المثل العليا.

الأخطر من ذلك أن الدراما الحالية لا تقدم مجرد مشاهد خيالية فحسب بل تحاول فرض هذه الثقافة على المجتمع فيتحول العنف إلى لغة مألوفة بين الشباب وتصبح الجرائم التي تُعرض على الشاشة نماذج قابلة للتقليد حتى بات البعض يبرر السلوكيات المنحرفة بأنها للاسف الواقع. لكن أي واقع هذا الذي يتجاهل حقيقة المصريين؟ وأي دراما تلك التي تجعل من الانحراف قانونا عاما وكأن المجتمع لم يعد به الخير أو القيم؟

المشكلة لا تقتصر فقط على صناع الدراما، بل تمتد إلى الجمهور الذي يستهلك هذا المحتوى دون اعتراض حقيقي. صحيح أن كثيرين يشاهدون هذه الأعمال بدافع الفضول أو النقد ولكن في النهاية ما دامت تحقق نسب مشاهدة مرتفعة فستستمر في إنتاج المزيد من التشويه وكأن المصريين قبلوا بهذه الصورة المزيفة عن أنفسهم. ولو كان للجمهور موقف واضح من رفض هذه المهزلة لاضطر المنتجون إلى تقديم أعمال تحترم المشاهد وتعبر عنه بصدق.

لم يعد هناك مفر من السؤال: متى سنستعيد الدراما المصرية الحقيقية؟ متى نشاهد أعمالا تحترم عقولنا وتقدم صورة واقعية عن مجتمعنا دون مبالغة في القبح أو تجميل زائف للواقع؟ المصريون في أشد الحاجة لدراما وطنية تبني ولا تهدم دراما تعلم وتثبت القيم والأخلاق والدين.. دراما تجمع ولا تفرق..دراما تشحن الوجدان بحب الوطن والدفاع عنه .. دراما تُعيد إليهم الثقة في هويتهم لا دراما تُشوِّههم وتجعلهم غرباء عن أنفسهم. إذا كنا نريد استعادة قيمة الفن ودوره الحقيقي فعلينا أن نرفض هذه الدراما “المشوهة لمصريتنا” التي تُفرض علينا ونطالب بأعمال تنبع من بيئتنا وثقافتنا لا من خيال صناع قرروا أن مصر شيء آخر غير تلك التي نعيش فيها. ويجب اتخاذ قرار صارم بإيقاف التعاقد علي مسلسلات البلطجة والموبقات والإسفاف.

Comments (0)
Add Comment