أصبح الحزن جزء من حياة جيل الشباب. لم يعد مجرد شعور عابر أو فترة ضيق، بل تحول إلى مشكلة كبرى يعاني منها هذا الجيل. فالشباب يواجهون تحديات أكبر من مجرد السعي وراء النجاح أو تحقيق الأحلام. فالحلم الذي كان يتضمن الزواج، وامتلاك منزل، أو الحصول على وظيفة أصبح بعيد المنال للكثير منهم. قد يظن البعض أن الظروف الاقتصادية هي السبب، لكن الحقيقة أكثر تعقيدا.
صحيح أن الوضع الاقتصادي يلعب دورا أساسيا في حالة الإحباط، حيث إن الحصول على وظيفة أصبح أمرا شبه مستحيل أمام آمال الشباب. ففي الماضي، كانت هذه الأمور مضمونة إلى حد كبير، لكن اليوم أصبح من الصعب على الشباب الحصول على شقة للزواج أو حتى تأمين دخل ثابت يساعدهم على بناء حياتهم. كان حلم الزواج وامتلاك شقة جزءا من الحلم المشترك لكثير من الشباب، لكن هذه الأحلام أصبحت شبه مستحيلة بسبب ارتفاع الأسعار وتدهور الحالة الاقتصادية.
من جهة أخرى، فإن استعمال الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي فى البحث عن عمل أصبح ملئ بالمقارنات والأكاذيب، مما يزيد من مشاعر الفشل والإحباط. فبينما يظهر الآخرون في حياتهم المثالية على منصات التواصل الاجتماعي برفاهية، يشعر الكثير من الشباب أن حياتهم مليئة بالكآبة وفقدان الأمل، مما يزيدهم من الضغط النفسي. فمنذ زمن ليس ببعيد، كانت العادات والتقاليد، بالإضافة إلى الدين، توفر للشباب استقرارا وتوجيها. لكن مع التغيرات الاجتماعية والثقافية، أصبح الشاب مضطرا للبحث عن معنى للحياة بمفرده، وهذا البحث أصبح عبئا ثقيلا عليه.
الحزن الذي يشعر به الشباب ليس بسبب قلة الفرص، بل أيضا بسبب غياب الانتماء للمجتمع. هذا الجيل يعاني من العزلة النفسية ولا يجد إجابة واضحة حول معنى النجاح والسعادة في عالم مليء بالتواصل الرقمي، لكنه معزول اجتماعيا، ويصبح من الصعب تحقيق تطلعاتهم. ويظن البعض أن الشباب أصبحوا غير مهتمين بمستقبلهم أو كسالى، لكن الحقيقة هي أنهم يفتقرون إلى الدعم الاجتماعي والتوجيه الكافي. ما يحتاجه الشباب هو من يستمع إليهم ويفهم مشاعرهم.
ولحل هذه الأزمة، يجب أن نعترف بها ونفهمها. يجب على المؤسسات الحكومية والمجتمعية أن تولي اهتماما أكبر بالصحة النفسية للشباب، وأن تقدم لهم الدعم الاجتماعي الذي يساعدهم في مواجهة الحياة. كما يجب إعادة النظر في مفهوم النجاح، حيث لا يجب أن يرتبط النجاح بالمال أو المناصب، بل بتحقيق معنى للحياة وبناء علاقات إنسانية. كما أن للأسرة دور مهم والمدارس والمجتمع أيضا، بأن يكون لديهم القدرة على تقديم الدعم للشباب لمساعدتهم في مواجهة ضغوط الحياة. يمكن أن تكون المبادرات التوجيهية من خلال المتخصصين في الصحة النفسية والتعليم من الحلول الفعالة لمساعدتهم في الحصول على حياة أفضل والتغلب على مشاعر اليأس.
وأخيرا، يجب أن نتوقف عن تقديم النصائح المكررة والتقليدية أو الأحكام السطحية، ونستبدلها بالنصائح المفيدة والاستماع لمشاكلهم والسعى لإيجاد الحلول المناسبة لهم، ونتعاون جميعا كأسر ومؤسسات ومجتمع لمساعدة هذا الجيل على استعادة توازنه النفسي والوجداني، وبث روح الأمل فى مستقبل واعد لإعاشتهم فى حياة حرة كريمة.