زهرة شوشة تكتب: ألعاب تلمع وذكاء يخفت!!
وسط صخب المولات الكبرى وواجهات الألعاب المضيئة التي تجذب الأطفال والمراهقين بألوانها الزاهية وأصواتها المرتفعة يبرز اسم “ماجيك بلانيت” كأحد أشهر أماكن الترفيه في مصر والعالم العربي، غير أن هذه البهجة الظاهرة تخفي وراءها العديد من التساؤلات المقلقة حول التأثيرات النفسية والمعرفية التي قد تتركها بعض الألعاب المنتشرة داخل هذه المراكز والتي قد تتحول دون إدراك من الأهل إلى أدوات تسلب الأطفال قدرتهم على التفكير والتركيز بدلا من تنميتها.
ففي زيارة قصيرة لأي فرع من فروع “ماجيك بلانيت” تبهرك الأجواء البصرية والصوتية الكثيفة، شاشات عملاقة وأضواء ساطعة وأصوات مرتفعة وأجهزة تنفث تذاكر بشكل متكرر كمكافآت فورية تغري الصغار بجمعها مقابل هدايا رمزية أو نقاط مستمرة. هذه الألعاب كما يشير متخصصون في التربية تعزز لدى الأطفال مفاهيم مثل الربح السريع والنتائج الفورية وتضعف في المقابل مهارات الصبر، والتركيز، والتفكير التحليلي طويل المدى.
توضح الدكتورة مرفت القباني، استشاري نفسي وتربوي، أن غالبية الألعاب في مثل هذه المراكز تعتمد على الحظ أو السرعة البدنية أكثر مما تعتمد على التخطيط أو الإبداع وتقول: “هذه الألعاب تشبع المراكز العصبية المسؤولة عن المتعة بشكل لحظي لكنها تنهك الجهاز العصبي للطفل وتؤدي إلى ضعف التركيز وظهور علامات الملل السريع خارج دائرة الإثارة الحسية”. مشيرة إلى أن ذلك قد يكون سببا في تزايد حالات التشتت وفرط الحركة وحتى الإدمان السلوكي المرتبط بالشاشات، والمثيرات الخارجية واحدة من أبرز الإشكاليات التي تطرح في هذا السياق هي فكرة “اللعب مقابل الجائزة”، حيث تتحول تجربة اللعب من متعة تلقائية إلى سباق استهلاكي مشروط بالإنفاق للحصول على شعور زائف بالإنجاز. وقد شبهت دراسات نفسية هذا النوع من الألعاب بألعاب القمار المصغرة نظرا لتشابه بنيتها السلوكية من حيث الإثارة اللحظية والتعزيز المتقطع مما يجعل الأطفال أكثر عرضة للتعلق بها بشكل مرضي، وعلى الجانب الآخر لا يمكن إغفال الجوانب الإيجابية لبعض هذه الألعاب حين يتم استخدامها بوعي واعتدال.
فالمراكز الترفيهية مثل ماجيك بلانيت توفر للأطفال فرصا للتفاعل الاجتماعي الحقيقي واللعب الجماعي مما يعزز مهارات التواصل ويقوي العلاقات داخل الأسرة، كما أن بعض الألعاب تتطلب حركة بدنية نشطة كالجري، والقفز، أو التسلق، مما يساهم في تحسين اللياقة البدنية ويقلل من السلوك الخامل. كذلك تساهم ألعاب معينة في تنمية المهارات الحركية الدقيقة وتعزز التناسق بين العين واليد وتحفز الحواس المختلفة من الناحية النفسية، تمنح هذه الألعاب الأطفال شعورا بالثقة في النفس خاصة عندما يتمكنون من الفوز أو إتقان مهارة معينة، كما تتيح لهم بعض التجارب الأولى في حل المشكلات واتخاذ القرار السريع، ويمكن أيضا فهم مبدأ المكافأة مقابل الجهد من خلال جمع التذاكر واستبدالها بجوائز وهو مبدأ تربوي مهم إذا تم تقديمه في سياق معتدل لكن في حال غياب التوازن تصبح هذه الإيجابيات مهددة بالتحول إلى سلبيات. فالإفراط في التحفيز الحسي من خلال الأضواء والأصوات قد يسبب التوتر والإنهاك خصوصا للأطفال ذوي الحساسية العالية كما قد يؤدي التركيز المفرط على الجوائز الخارجية إلى تآكل الدافع الداخلي لدى الطفل بحيث لا يستمتع باللعبة ذاتها بل يسعى فقط وراء المكافأة هذا إلى جانب التكاليف المادية العالية، لهذه المراكز ما قد يشكل ضغطا نفسيا على الأسر ويكرس فكرة أن السعادة مرتبطة بالإنفاق.
الأمر في النهاية لا يتعلق بالمنع أو التحذير بقدر ما يتعلق بالوعي والاختيار من الضروري أن يرافق الأهل أبناءهم في مثل هذه المراكز وأن يحددوا نوع الألعاب ووقتها بل ويقترحوا بدائل ترفيهية تنمي قدرات الطفل الحقيقية مثل الألعاب الذهنية والأنشطة الفنية أو الألعاب التشاركية التي تعتمد على الخيال والتفاعل. الترفيه حق أساسي للطفل لكنه لا يجب أن يتحول إلى وسيلة لإفراغ العقول بدلا من تغذيتها، فبينما لا يمكن منع الأطفال من اللعب يمكننا منحهم نوعا من اللعب يبني مستقبلا أكثر وعيا وذكاء ويشكل شخصيات متوازنة لا تستسلم بسهولة لإغراءات الضوء والصوت بل تبحث عن المعنى فيما تفعله وتستمتع به حقا.