هل تتراجع ثقة الناس في لقاحات “كوفيد-19″؟
كتبت/ د. أحلام محمود أمين
استشاري أمراض النساء والتوليد – مستشفى البرتفيل سافوى – فرنسا
بسم الله الرحمن الرحيم (قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَىٰنَا ۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ) التوبة (51)
أُثير في الآونة الأخيرة بأن لقاحات “كوفيد-19” غير آمنة. ويُشاع بأن المتلقحون سوف يموتون بعد سنتين؟! هذه هي الأكذوبة الأكثر انتشارًا على مستوى العالم، لكنها أكذوبة وإشاعات مغرضة ليست حقيقية، وأن اللقاحات ضد الجائحة آمنة وفعالة ومفيدة، ولنا أن نسأل: من بدأ بتلقي اللقاح؟ الجواب: بدأ إعطاء اللقاح للأطقم الطبية، وكبار السن، وأفراد القوات المسلحة، والوزارات، وأعضاء مجلس النواب والشيوخ .. ألخ. إذن، فالأطباء المكلفون بعلاج المرضى هم أول من أخذ اللقاح، وكبار السن أخذوا اللقاح خوفًا من أن تتمكن منهم كورونا (كوفيد ١٩)، ويتعرضوا للوفاة. كذلك أفراد القوات المسلحة والشرطة .. الخ.
فاللقاح مهم جدًا، ومن الضروري تلقيه. أما من اختلق وتسبب في نشر الإشاعة فقد نُسبت إلى أحد أشهر علماء الفيروسات على مستوى العالم، وهو العالم الفرنسي المشهور (لوك مونتانييه) الفائز بجائزة «نوبل» عام 2008، بأنه القائل أن جميع الأشخاص الذين تلقوا تطعيمًا ضد فيروس كورونا المستجد المسبب لمرض “كوفيدــ 19” سيموتون خلال سنتين، وقد بثت وكالة “رويترز” الإخبارية تقريرًا قالت فيه إنها قامت بالاستقصاء حول تلك الأكذوبة، لكنها لم تعثر على أى دليل يثبت أن العالم الفرنسى قد أدلى بمثل هذا الكلام الخطير.
وقد صرحت الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة والسكان أن نصف الأطباء في مصر رفضوا تلقى اللقاح، وعلقت على رفضهم تلقي اللقاح المضاد لفيروس كورونا المستجد «كوفيد19»، قائلة: إن لقاحات كورونا تُعد تجربة جديدة، ومن حق الأطقم الطبية أن يأخذوا وقتهم في التفكير في تلقيه، وعللت بأنهم “يمكن عشان هما واجهوا الوباء، فبقى قلبهم جامد شوية وشايفين إن كورونا ممكن نعالجها”، وهو أمر فى منتهى الخطورة، فحين يحدث ذلك بين الأطباء، فكيف يكون الأمر بين المواطنين البسطاء الذين لا يريدون حتى ارتداء الكمامة.
ومن هنا، ندرك بأهمية تلقي اللقاح، حتى لو كان بعضها ليس فعالاً بصورة كبيرة، لكنه سيجعل أعراض الإصابة بالفيروس أخف كثيرًا – حسب قول الأطباء المتخصصين -، والحقيقة المؤكدة أنه من بين كل مليون شخص تلقوا اللقاح في العالم، يتوفى منهم خمسة أشخاص فقط.
ومن الشائع أيضًا أن تظهر مشكلات غير متوقعة تتعلق بالأمان في الفترة التي ينتقل فيها أي دواء أو لقاح من مرحلة الاختبار على عشرات الآلاف من المتطوعين إلى مرحلة الاستخدام الفعلي واسع النطاق من قِبَلِ عشرات الملايين من العامة، لذا لم يكن الأمر يمثل مفاجأةً كبيرة عندما عانت نسبة ضئيلة جدًّا من الأشخاص من مشكلة غريبة هي تجلُّط الدم بعد تلقِّي لقاح “جونسون أند جونسون” (J&J) المضاد لـ”كوفيد-19″، أو جرعة “استرازينيكا”، وهو اللقاح المُستَخْدَم على نطاق واسع خارج الولايات المتحدة.
إن ظهور آثار جانبية نادرة وخطيرة لأي لقاح قد يضع السلطات المعنية بالصحة العامة أمام معضلة صعبة، وفي حالة اللقاحين المذكورين، يبدو أن شخصين من بين كل مليون شخص تلقوا لقاح “جونسون أند جونسون”، وشخصًا واحدًا من بين كل 100 ألف شخص تلقوا لقاح “استرازينيكا”، يصابون بهذه التجلطات الدموية المُهَدِّدَةِ للحياة، وما يصاحبها من انخفاض غريب في عدد الصفائح الدموية التي تساعد على تجلط الدم، غير أن المخاطر الكامنة في كلتا الحالتين تتضاءل مقارنةً بالمخاطر المرتبطة بالإصابة بمرض “كوفيد-19” نفسه، الذي يشير أحد التقديرات إلى أنه يتسبب في وفاة ما يقرب من شخصين من بين كل ألف مصاب (رغم أن معدلات الوفيات قد تختلف اختلافًا كبيرًا وفق العمر، والموقع، وعوامل أخرى)، ومن ناحية، من الضروري أن تكون هناك شفافية مع الجمهور، وأن يتلقى مقدمو الرعاية الصحية إشعارًا بالمشكلة وتوجيهات بشأن أفضل السبل للتعرف عليها ومعالجتها، ولكن من ناحية أخرى، ثمة احتمال كبير أن يؤدي ذلك إلى إثارة شكوك لا داعيَ لها بشأن هذين اللقاحين، وغيرهما من اللقاحات أيضًا، الأمر الذي قد يؤدي إلى تأجيج مشاعر التردد في تلقي اللقاحات، وهي مشاعر بلغت مستويات مُقْلِقَة بالفعل.
يقول طبيب الأطفال والباحث في مجال اللقاحات، بول أوفيت، وهو مدير مركز التوعية باللقاحات في مستشفى أطفال فيلادلفيا: “بمجرد أن تخبر الناس بأن ثمة خطرًا ما، وإن لم تَتَعَدَّ نسبته واحدًا في المليون، أعتقد أن آذانهم تُصَمُّ عن أي شيء تقوله، وتتردد بدلًا عن ذلك عبارة: “قد يحدث ذلك لي” في أذهانهم.