حزب الله ودوره فى منطقة الشرق الأوسط
بقلم/ د. حسين مختار
من النماذج التى أبهرت العرب والمسلمين، نموذج حزب الله اللبنانى وزعيمه حسن نصر الله. والحديث عن الحزب يجرنا إلى إيران حيث النشأة، والبُعد العقائدى والمذهبى، والدعم المادى والدينى والسياسى، لتؤكد أن أى قراءة لمواقف حزب الله تستثنى هذه العلاقة لهى قراءة مبتورة عن نسقها وسياقها. ومشروع إيران التوسعى هو مشروع قومى إقليمى أُعلن عنه منذ قيام الثورة الإسلامية تحت مصطلح تصدير الثورة خاصة في العراق ولبنان حيث الأقليات الشيعية فى البلدين.
جاءت ولادة حزب الله عام 1982 فى ظروف حروب خارجية وداخلية شهدها لبنان. فعلى إثر انتهاء دور حركة أمل الشيعية اللبنانية بقيادة “نبيه برى” رئيس مجلس النواب اللبنانى حسب الدستور اللبنانى، فقد كانت مصالح حركة أمل مرتبطة بمصالح إسرائيل فى تصفيه الوجود الفلسطينى فى لبنان. كما أن حركة أمل كان خطها السياسى تابعا لسوريا مما لا يترك لإيران مجالا لإملاء سياستها على أمل، فجاءت نشأة حزب الله بدعم إيرانى، كما أن حركة أمل كانت قد تورطت فى مجازر كبيرة فى حق الفلسطينيين، فكان لابد من إنشاء حزب آخر ينقل إيران للمنطقة ويربطها بالقضية الفلسطينية، ولهذا السبب وقعت القطيعة بين حركة أمل والثورة الإيرانية، وساعد على قيام حزب الله فى لبنان من بعض عناصر حركة أمل الذى حدث عقب غياب الإمام “موسى الصدر”، المؤسس للحركة نتيجة اختطافه فى ليبيا عام 1978 ثم قيام الثورة الإسلامية فى إيران عام 1979 وأعقب ذلك قيام أمل بطرح حلول سياسية مع إسرائيل مما أدى إلى انشقاق البعض وشاركوا فى تأسيس حزب الله ومنهم “حسن نصر الله” من بسط نفوذه على أغلب مناطق جنوب لبنان.
في 6 يونيو عام 1982 اجتاحت إسرائيل لبنان، وكان قادة الشيعة فى لبنان يحضرون مؤتمرا فى إيران فطلبوا مساعدة إيران فوافق الخمينى، لكن الخمينى أيقن أن هدف إسرائيل فى هذا التوقيت هو جعل إيران تفتح جبهتين للقتال، الأولى مع العراق منذ سبتمبر عام 1980، والثانية فى لبنان، فتراجع الخمينى عن إرسال قوات إلى لبنان الأمر الذى شجع قادة من شيعة لبنان على عرض فكرة إنشاء تشكيل إسلامى فى لبنان منطلقا من القيادة الشرعية فى إيران تحت مُسمى “حزب الله”.
لحزب الله أهداف غير مُعلنة يأتى على رأسها تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية إلى البيئة اللبنانية مقابل التزام إيران بكافة الأعباء، ومقاومة الحزب للبيئة الشيعية غير التابعة للولى الفقيه.
ورغم عامل السرية التى يحرص الحزب عليه، إلا أن ذلك لم يمنعه من الإعلان عن وجود بعض الهياكل التنظيمية التى تنظم عمل الحزب مثل هيئة قيادية، ومجلس سياسى، ومجلس تخطيطى، وكتلة النواب. وتستند شعبية الحزب فى لبنان على عدة عوامل منها: حملته العسكرية ضد إسرائيل، وطبيعته اللبنانية بالكامل، ودور الحزب كمدافع عن الطائفة الشيعية المقهورة تاريخيا.
كانت قيادة الحزب جماعية منذ عام 1982 حتى تم انتخاب الأمين العام الأول صبحى الطفيلى في عام 1989 وحتى عام 1991، ثم أُجبر على الاستقالة، وجاء بعده عباس الموسوى وقد قامت إسرائيل باغتياله فى نفس العام، ثم تم انتخاب حسن نصر الله أمينا للحزب حتى الآن.
تُعد إيران بمنزلة الشريان الحيوى لحزب الله، وقد نشأت العلاقة بين إيران والحزب للاستفادة من تأسيس الخمينى لدولة ولاية الفقيه فى إيران، وأيضا اختيار إيران لنظام الجمهورية الإسلامية فى الحكم وهو يلتقى مع المبادىء الإسلامية التى يؤمن بها الحزب.
وشهد عام 1989 حدثين مهمين بالنسبة لحزب الله هما: الأول، عقد المؤتمر الأول للحزب، والثانى، التوصل إلى اتفاق الطائف عام 1989 بالمملكة العربية السعودية، والذى أدى إلى إنهاء الحرب الأهلية الدائرة منذ عام 1975، وقد نص البند الأول من الاتفاق على سحب جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم أسلحتها للدولة اللبنانية خلال ستة أشهر. كما نص الاتفاق على إعادة انتشار الجيش السورى داخل لبنان خلال مدة أقصاها سنتين فى نقاط محددة. كما نص على إعادة نشر الجيش اللبنانى فى منطقة الحدود اللبنانية الجنوبية والعمل على تدعيم وجود قوات الطوارىء الدولية فى الجنوب اللبنانى، بذلك أمن اتفاق الطائف لإسرائيل البيئة الأمنية للحدود، وبذلك قررت الحكومة الإسرائيلية الانسحاب من لبنان فى الرابع عشر من نوفمبر عام 1985، ولكن الحكومة الإسرائيلية لم تستطع تنفيذ قرارها لعدم وجود من يقوم بتأمين الحدود الشمالية لها من ناحية الجنوب اللبنانى.
في عام 1992 اغتالت إسرائيل الأمين العام الأول لحزب الله عباس الموسوى، وتولى حسن نصر الله أمانة الحزب. وكثف حزب الله هجماته على الجيش الإسرائيلى الموجود فى جنوب لبنان لدعم سوريا أثناء مؤتمر مدريد للسلام الذى عقد جلسته الأولى في 30 أكتوبر عام 1991 بالعاصمة الإسبانية مدريد. ونتج عن هذه الهجمات من جانب حزب الله تفاهم شفهى بين الحزب وإسرائيل نص على “تجنب المدنيين فى أى معارك”، وقام حزب الله بعد التفاهم بتصويره على أنه انتصار للحزب، لكنه فى الحقيقية بمثابة اعتراف من جانب الحزب بالمستعمرات الإسرائيلية وسكانها، لأنه فى المقابل إذا تم تفسير قبول الحزب للتفاهم على أنه تم رغما عنه فهذا يعنى أنه قد هُزم.
وحظى هذا الاتفاق بدعم إقليمى ودولى، ونص على أن يتوقف حزب الله عن استهداف إسرائيل بالصواريخ مقابل توقف إسرائيل عن استهداف المدنيين اللبنانيين. وتم تشكيل مجموعة من المراقبين الدوليين ضمت: الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وسوريا، ولبنان، وإسرائيل، بذلك منع الاتفاق حزب الله من ضرب شمال إسرائيل، وأن يلقى القبض على أى شخص يريد أن يخترق الحدود الشمالية لإسرائيل. وفي عام 2000 أصبحت الأجواء فى لبنان، المتواجد فيها الجيش السورى منذ عام 1976 فى صالح إسرائيل، فقررت الانسحاب من جنوب لبنان وفق القرار رقم 425 الصادر من الأمم المتحدة عام 1978.
حزب الله .. وسوريا
كانت منظمة التحرير الفلسطينية فى لبنان بمثابة رأس الحربة فى مواجهة إسرائيل، ورغم ذلك أزعج هذا الدور لاعبين إقليميين، إسرائيل التى أصبحت تخشى من نفوذ المنظمة فى لبنان، واللاعب الثانى سوريا التى رأت أن نفوذ المنظمة فى لبنان حالة شاذة تضر بالأمن القومى السورى الذى افترض أن يكون النفوذ فى لبنان سوريا.
ذكرت جريدة الشرق الأوسط بعد اجتماع الأسد بالرئيس الأمريكى جيمى كارتر فى جنيف: “أن عملية إخضاع المقاومة الفلسطينية فى لبنان كانت جزءً من استراتيجية كبيرة لإخضاعها، وقد قدم كارتر للأسد مكافأته بالاستجابة لطلب الأسد بالاجتماع معه فى جنيف بدلا من واشنطن”. وبعد الغزو الإسرائيلى للبنان عام 1982 وخروج منظمة التحرير الفلسطينية إلى تونس أعلنت إسرائيل أنها تخشى من الفوضى ومن قوة سوريا المحيطة بإسرائيل، فبحثت عن أكبر فصيل منظم وقادر فى جنوب لبنان ليستسلم بشكل مباشر أو غير مباشر عبر ترتيبات ضمنية غير معلنة، وقد رأت إسرائيل فى حركة أمل الشيعية الفصيل الذى تتوفر فيه هذه الشروط. وبذلك أصبح وجود سوريا فى لبنان مطلوبا بعد أن كان خروجها من لبنان فى الماضى مطلوبا بسبب الوجود الإسرائيلى، فلا انسحاب لطرف قبل انسحاب الآخر. فى هذه المرحلة وُلد حزب الله وحصلت صدامات مع حركة أمل التابعة لسوريا، فى نفس الوقت كان جيش لبنان الجنوبى الموالى لإسرائيل بقيادة الرائد المنشق سعد حداد معظمه من الشيعة. أما فى عام 2000 أصبح الفصيل المرشح للقيام بتقديم الصمانات الأمنية فى جنوب لبنان هو حزب الله على أساس اتفاقى 1993 و 1996 بين إسرائيل وحزب الله، وهو ما أدى الى انسحاب إسرائيل من جانب واحد فى الرابع والعشرين من مايو عام 2000. وليس بخاف أن إسرائيل كانت تريد أن يكون هناك غير حزب الله لضمان الأمن كما كانت تريد فى عام 1985.