ظاهرة التسول .. حاجة أم استغلال؟

0 625

             بقلم/ أمال جودة

 
كان التسول فى مصر مقصوراً على الشحاذة التقليدية التى يعتمد بعضها على التحايل، بينما يعبر بعضها الآخر عن ازدياد حدة الفقر فى المجتمع، غير أن هذا الجانب الإيجابى فى حملات جمع التبرعات التى تنشط فى مناسبة شهر رمضان يحجب ارتباطها بأحد جوانب الخلل المتراكم عبر عقود فى منظومة القيم السائدة فى المجتمع، وهو انتشار ثقافة التسول على أوسع نطاق وترويج أشكال جديدة من الاستجداء، والاتجار بمعاناة الفقراء. ولذلك انتقلت ثقافة التسول هذه إلى برامج تلفزيونية يبدو لأول وهلة أنها تؤدى مهمة إنسانية جليلة وتساهم فى حل مشاكل فقراء ومعدمين، وعندئذ، يمكن استعادة أهم القيم المجتمعية التى خُربت، وخاصة قيم العمل والتعفف والأمانة التى اجتاحها توسع الميل إلى التسول والتحايل والفهلوة والغش.

 

فظاهرة التسول تنحصر في غياب المسئولين وجمعيات التضامن الاجتماعي الذين لهم دور أساسي في توصيل الزكاة والصدقة لأصحابها المستحقين بالتواصل مع الفقراء والمساكين والمحتاجين الذين يأخذون من الأرصفة والشوارع والميادين وأبواب المساجد مقرًا لهم للاستجداء والتسول، خاصة في شهر رمضان، حيث يستغل المتسول المواطنين في الشهر الكريم والأعياد للحصول على المال دون بذل أي مجهود، وقد زادت نسبة استخدامهم للأطفال في استعطاف المواطنين.

 

المتسول هو الشخص الذي يتخذ من الشحاذة وسيلة لكسب المال السهل، وأكثرهم لا حاجة لهم لممارسة هذه المهنة، لكن الهدف هو الطمع وجمع الأموال على قدر المستطاع، والبعض الآخر يتخذها بسبب ازدياد حالة الفقر في المجتمع، وانتشار البطالة، وغلاء المعيشة، والبعض اتخذها مهنة متوارثة عن آبائهم.

 

للتسول أنواع كثيرة وأساليب مُتبعة حسب المكان والزمان، لكن الغاية والمقصد واحد، ومن أبرز أساليب التسول استخدام الأدعية والألفاظ التي تدفع الناس لتصديقهم والعطف عليهم، فيلبسون ملابس رثة، ولا يهتمون بالنظافة، ويدعون الجوع والحاجة، ويزيد على ذلك استغلال الأطفال بطرق تدفع الناس لتصديقهم وتقديم المساعدة لهم، وآخرون يستجدي ثقة الناس من خلال عرض تقارير طبية ووثائق مزيفة، أو يشوهون أنفسهم بشتى الوسائل لكسب أكثر قدر من المال.

 

وترتبط ظاهرة التسول بالكثير من الأسباب التي تساعد على انتشارها، ومن أهمها التكاثر، والانفجار السكاني، إضافة إلى الكوارث الطبيعية التي تتعرض لها الدول، والحروب التي تساعد في هدم الحياة واستنزاف الطاقات، مما يؤدي إلى التشرد ومحاولة إيجاد مأوى، وعدم توافر فرص عمل. وترجع أسبابها إلى طلب الطعام أو المال أو غيره من متاع الآخرين في الشوارع والطرقات والأزقة، فباتت هذه الظاهرة موجودة في جميع الدول العربية والأجنبية، ولا يعدو التسول نوعًا من أنواع التقليل من قيمة المتسول أمام الآخرين لأنهم يعطونه أو يمتنعون. فأغلبية المتسولين غير محتاجين للمال من أجل الطعام والشراب، بل صارت مهنة للكثير منهم لتعاطي المخدرات والكحول وشم الكُلة .. ألخ.

 

سبل القضاء على ظاهرة التسول
القضاء على ظاهرة التسول يستدعي تضافر جميع فئات المجتمع من أفراد ومؤسسات وسلطات كل حسب مسئولياته، فالفرد عليه مسئولية في أن يسعى للعمل حتى لو كان هذا العمل متعبًا أو لا يناسب مؤهلاته، وعلى المؤسسات الدينية والعلماء والدعاة مسئولية توعية المجتمع بخطورة هذه الظاهرة وسلبياتها، وعلى السلطات أن تقوم بمسئولياتها أيضًا في القضاء على هذه الظاهرة من خلال تفعيل صندوق الزكاة الذي يسد حاجات الفقراء والمساكين والمحتاجين والقبض على العصابات التي تقف وراء المتسولين الصغار.

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق