المشترك الثقافي العربي.. والدبلوماسية الثقافية المصرية في القرن الـ21

0 1٬247
مع الإعلان مؤخرا عن مؤتمر: “المشترك الثقافي بين مصر والعراق.. حضارات الموجة الأولى في عالم جديد”، يدخل مشروع المشترك الثقافي العربي محطته الرابعة، بعد مؤتمر “المشترك الثقافي بين مصر واليمن.. رؤى جديدة للمتون العربية” المنعقد في 17 فبراير 2023م، ومؤتمر “المشترك الثقافي بين مصر وتونس.. الواقع والآمال” المنعقد في 22 مارس 2022م، و”المائدة المستديرة” التي عقدت حول “المشترك الثقافي” بين مصر والسودان في 20 سبتمبر 2021م.
وحول هذا المشروع وأهدافه وجذوره كان لنا لقاء مع الدكتور حاتم الجوهري أستاذ الدراسات الثقافية المنتدب بالجامعات المصرية، والشاعر والمترجم والمثقف المعروف مؤسس المشروع وصاحب فكرته، والحاصل على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الاجتماعية، وجائزة ساويرس في النقد الأدبي، والذي وصل للقائمة القصيرة لجائزة المركز القومي للترجمة، ومدير المركز الدولي للكتاب الأسبق بهيئة الكتاب، وصاحب مشروع تفعيل المركز العلمي للترجمة بوزارة الثقافة المصرية.
أجرى الحوار: د. محمود عبد الكريم وسمير محمد شحاتة
– بداية ما الفرق بين المسميين: المشترك الثقافي العربي، والدراسات الثقافية العربية المقارنة، حيث نلاحظ استخدامكم لكل من المسميين؟
الدراسات الثقافية العربية المقارنة هي المجال العلمي الجديد الذي نطرحه على المشهد الأكاديمي العربي للعمل من خلاله، أما المشترك الثقافي العربي فهو المشروع التطبيقي الرئيسي لمجال الدراسات الثقافية العربية المقارنة، وقدمنا منه حتى الآن دورتين أو مؤتمرين بين كل من مصر وتونس واليمن، ومائدة مستديرة مع السودان، ومؤتمر جديد سيعقد إن شاء الله في نهاية ديسمبر هذا العام مع العراق.
– ما هي الفكرة المركزية التي يقوم عليها مجال الدراسات الثقافية العربية المقارنة؟
تأسيس مدرسة علمية عربية تطور آلياتها من واقع الظرفية العربية، وتسعى لاستحداث مناهج بحثية وفلسفات تطبيقية لرفد حاضر الذات العربية ومستقبلها، وهذه المدرسة العلمية قدمت فلسفتين واضحتين حتى الآن؛ فلسفة المشترك الثقافي العربي واعتبار الجغرافيا الثقافية رافعا مهما في طريق الجغرافيا الاقتصادية والسياسية، وكذلك فلسفة إدارة التنوع وتفكيك التناقضات في مواجهة فلسفة تفجير التناقضات وحدية العلاقة بين المتون والهوامش، التي طرحتها الدراسات الثقافية الغربية.
– كيف تختلف الدراسات الثقافية العربية المقارنة كما تطرحونها في القرن الحادي والعشرين، عن الدراسات الثقافية البريطانية حيث نشأت بالأساس في القرن الماضي؟
على مستوى المنهج تعمل كل منهما بفكرة البحث عن النسق الثقافي العميق الحاكم لظاهرة ما، لكن الدراسات الثقافية العربية المقارنة تختلف في المذهب أو الفلسفة -بداية- فهي تعمل وفق الدرس الثقافي الحر أو القيمي، الذي لا يعمل كأيديولوجيا تنتصر للهوامش وتفجير التناقضات، وإنما ينتصر لما هو قيمي يتواصل مع القيم الإنسانية العليا للمجتمع البشري، وتعمل الدراسات الثقافية العربية المقارنة من خلال منهج مقارن يحتوي الطبقات المتراكمة والمتنوعة في مستودع الهوية العربي التي تجاورت عبر التاريخ، لذا فالدراسات الثقافية العربية المقارنة ليست محملة بالعقد التاريخية للمسألة الأوربية التي طرحتها المدرسة الغربية، ويأس اليسار ومن على ضفافه من المتون المجتمعية الليبرالية في الغرب.
– هل يعد المشروع دبلوماسية ثقافية جديدة خارج المركز الأوربي القديم ؟
العلاقات السياسية بين الدول والجماعات البشرية التي اعتمدت على الأبنية الثقافية والفكرية، كانت مسارا أسس له الغرب الاستعماري باسم الحرية والأدب والتقدم في القرن العشرين! عبر المجالس والمراكز الثقافية والمؤسسات الأكاديمية، واستطاع عبر الدبلوماسية الثقافية وآلياتها بناء قوة ناعمة حول العالم تجذب الآخرين له بمحض إرادتهم، واستطاع بناء الاستقطاب الكبير بين ثقافات بلدان العالم المحلية وما سماه الثقافة العالمية، حيث ارتبط مفهوم العالمي بما هو غربي سواء كان ليبرالي أو كان في النقيض البديل له في الماركسية، ووقع ما عُرف بـ”مثقفي القرن العشرين” في الفخ الذي هو محدودية الاختيارات وانغلاقها على أوربا واختصار الوجود البشري في الصراع والتدافع بين الليبرالية أو الماركسية وتمثلاتهما المتعددة، حيث يعتبر البعض أن الدراسات الثقافية ومنهجها الغربي تمثلا يساريا ما.. لكن الدبلوماسية الثقافية الجديدة التي يمكن أن نضع في سياقها الدراسات الثقافية العربية المقارنة، هي دبلوماسية الانطلاق من الظرفية الخاصة بكل جماعة بشرية وتأسيسها لمسارات ثقافية خاصة بها، لا تنطلق من تقديس الوافد الأوربي وفكرة النظرية المطلقة للوجود البشري سواء عند هيجل الطبقي الشمولي الرأسمالي أو عند ماركس تلميذه غير الطبقي الشمولي الشيوعي.
– هل تقصد أن الدراسات الثقافية الغربية سببت أزمة في المشهد العربي؟
الدراسات الثقافية الغربية برمتها كانت في سياق مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ومرحلة ما بعد ثورة الطلبة في فرنسا، وظهرت في مدرسة (جامعة) برمنجهام في بريطانيا وفي مجملها كانت تنتصر للهوامش اللغوية والعرقية والجندرية والمجتمعية، بسبب عجز اليسار في أوربا الغربية عن مواجهة الليبرالية المنتصرة، ويأسهم من تطوير نظريات أو سرديات كبرى تقلق مضجعها، فطوروا مذهب الدراسات الثقافية كوسيلة للتمرد والاحتجاج والاعتراض، على انتصار الليبرالية وهيمنتها، من ثم وقع الشُراح والنقلة والرواة العرب في فخ الأزمة نفسها، وعبر المنح والمجالس والمراكز والمؤسسات ذاتها تم تفجير التناقضات العربية المتعايشة عبر التاريخ بحجة الانتصار للهوامش، فلم تقدم الأكاديمية العربية فلسفة نقدية فاعلة تواجه الدراسات الثقافية، وتكشفها على حقيقتها وتقف على جذورها، بل وتكشف ازدواجية الدراسات الثقافية الغربية داخل أرضها.
– ما المقصود بازدواجية الدراسات الثقافية الغربية داخل أرضها؟
سوف أضرب لك مثالا شهيرا من داخل بريطانيا نفسها؛ هل قدمت مدرسة الدراسات الثقافية في برمنجهام درسا ثقافيا لعلاقات المتون والهوامش بين بريطانيا الأم وكل من سكوتلندا أو أيرلندا! هل درس باحثوها ما يعرف بـ”ذا سكوتش سيرنج” أو “الدونية الاسكتلندية” (The Scottish Cringe) تجاه الثقافة الخاصة بهم في مواجهة ثقافة بريطانيا المركز الاستعماري!
في فرنسا التي يسمونها بلد الحريات، هل اهتمت مدرسة الدراسات الثقافية بالدونية الثقافية التي يطلقون عليها “فيرغونيو” (بالفرنسية Vergonha ومعناها العار)، والتي تعني الشعور بدونية الثقافية من أهل الجنوب الفرنسي تجاه الثقافة الفرنسية القياسية المركزية وما يرتبط بها! والسياسات التي تمارسها فرنسا المركز تجاه الأقلية الأوكستانية ولغتها من مواطنيها!
وقس على ذلك موقف أسبانيا تجاه بقايا الثقافة الإسلامية، وموقف الدول الاسكندنافية تجاه حرق القرآن، وحتى لم يقم هؤلاء بدراسات تتعلق مثلا بسياسات الاتحاد السوفيتي السابق تجاه التنوع العرقي والأقليات والهوامش، ومحاولة خلق نمط مركزي شمولي واحد!
– إّذن مشروعكم للدراسات الثقافية العربية المقارنة هو رد فعل وليس مباردة فعالة؟
لا تجري الأمور هكذا، التاريخ البشري العام والتاريخ البشري الثقافي عبارة عن حلقات متصلة، يسلم بعضها بعضا، والتمثلات الثقافية ليست فعلا معمليا منبت الصلة عن واقعه وإلا اعتبرت الثقافة ترفا نفسيا، يمارسه البعض بوصفه شعائرا أو طقوسا تشبه المذاهب أو الطوائف المنعزلة، حينما تتعامل مع مجتمعك الإنساني ترصد مشاكله وتبحث عن الجذر العميق لهذه المشاكل، من ثم تطرح لها الحلول.. دون أن تكون أولويتك اختراع نظرية ثقافية مجردة وجديدة لا تمت للواقع بصلة.
الدراسات الثقافية العربية المقارنة في القرن الحادي والعشرين هي مدرسة علمية خرجت في لحظة تاريخية بعينها، تعاني فيها الذات العربية من التشرذم والتفكك وتفجر التناقضات، وبـ”دراسة الحالة” العربية وجدنا أن الجذر الثقافي يرجع في بعضه للدرس الثقافي الغربي ومذهبه عن الانتصار للهوامش، فاهتممنا بطرح البديل العلمي وتطويره شيئا فشيئا، تعبيرا عن الحالة العربية ودفاعا عنها، وليس لمجرد الرطانة العلمية التي تسعى لتقديم فروض الولاء والطاعة للتقاليد العلمية المستقرة، دون النظر في النسق الثقافي العميق الذي تحمله، ودون أن تقدم له رؤية نقدية وفلسفية.
– مبادرة تبادل المزيج الثقافي التي طرحتموها على الصين هل تأتي في هذا السياق؟
هي تأتي في سياق “الدبلوماسية الثقافية” البديلة عموما، وقامت أيضا على طرح مقارن إنما من وجهة نظر أخرى، لكنها بالطبع ليست في سياق الدراسات الثقافية العربية المقارنة، هي قامت على محاولة ضبط المسارات الثقافية على امتداد طريق الحرير الجديد مشروع الصين للتمدد الحضاري في القرن الحادي والعشرين، بحيث يتجاوز مشاكل المركزية الثقافية الأوربية ويقوم على المشترك الثقافي الذي يخلقه المزيج والتجاور بين الدول والثقافات على امتداد طريق الحرير ومحطاته.
– وماذا عن مشروع الترجمة للآخر وتفعيل المركز العلمي للترجمة بوزارة الثقافة المصرية هل يرتبط أيضا بتصورك للدبلوماسية الثقافية؟
قامت فكرة مشروع الترجمة للآخر عن اللغة العربية بالمركز العلمي للترجمة؛ على توظيف نظريات الخطاب وآليات التلقي والتأويل في سياق عربي فاعل، طرحتُ المشروع بوصفه أحد أدوات الدبلوماسية الثقافية للتعبيرعن الذات العربية، والدفاع عن قضيتها أيضا ولكن بمنهجية مختلفة وزاوية جديدة، تقوم على إنتاج خطاب علمي جديد، وليس مجرد ترجمة لكلاسيكيات الأدب أو بعض المتون العربية، وهذا الخطاب الجديد سيعتمد المنهج المقارن أيضا من زاوية ما، وهي زاوية دراسة آليات التلقي عند كل جماعة بشرية/ ثقافية يتم مخاطبتها أو استهدافها بالترجمة، والوعي باحتمالات التأويل الخاصة بها، ومراعاة ذلك عند إنتاج الخطاب المخصص للترجمة خاصة في القضايا المعاصرة والجادة التي تتعلق باللحظة التاريخية الراهنة، وتدافاعاتها إقليميا ودوليا، بمعنى كيف تكسب الأنصار وتتحرك بمفهوم علمي حديث في مسألة الترجمة للآخر.. وللأسف لم يتم فهم المشروع بعد بشكل كامل في الوزارة.
– وما علاقة الدبلوماسية الثقافية بموضوع الدبلوماسية الحضارية التي شاركت به مؤخرا في المغرب مع منظمة الإيسيسكو؟
الدبلوماسية الحضارية مقاربة مفاهيمية وثقافية وسياسية جريئة ومبادِرة، ترتبط بمشروع الحوار الحضاري الذي ظهر في نهاية تسعينيات القرن الماضي وتبنته منظمة التعاون الإسلامي (منظمة المؤتمر الإسلامي سابقا حيث تغير الاسم في عام 2011م)، وظهر المشروع في حينه ردا على دعاوى الصدام الحضاري وتحويل الثقافات العالمية إلى ميدان للتصارع بعد هزيمة الأيديولوجيا الماركسية، التي طرحها فوكوياما وبرنارد لويس وصمويل هينتجنتون، ومؤخرا طرحت الإيسيسكو مفهوم الدبلوماسية الحضارية من خلال مركز الحوار الحضاري تجذيرا لهذا التوجه التاريخي، لذا هي مشروع عظيم إذا تم استثماره جيدا، من أجل تفكيك فلسفة الوجود العالمي التي يطرحها الغرب حول صراع الثقافات (مع الصين والإسلام تحديدا)، وتحويل فلسفة الوجود العالمي إلى مشروع للتعايش وتفكيك وهم مركزية الغرب، والمسألة الأوربية والنظرية المطلقة (عند هيجل الأب التاريخي لدولة الليبرالية الديمقراطية أو تلميذه ماركس والدولة الشيوعية العمالية)، من ثم مشروع الدبلوماسية الحضارية يحتاج لجهد مركب لكنه شديد الأهمية، ويمكن إذا تم التأسيس له جيدا أن يتحول إلى مشروع عالمي، ينتقل من رد الفعل إلى الفعل والإلهام.
– مؤتمر المشترك الثقافي “بين مصر والعراق.. حضارات الموجة الأولى في عالم جديد”، ما هي فكرته؟
لقد طرحنا في المؤتمر الأول عن “المشترك الثقافي بين مصر وتونس” فكرة فلسفة المشترك الثقافي ذاتها، والتحديات النظرية والتطبيقية المرتبطة بها، ثم انتقلنا للمبادرة وأخذ زمام الفعل -بدرجة ما- في المؤتمر الثاني وطرحنا فلسفة إدارة التنوع وتفكيك التناقض القائمة، وفي هذا المؤتمر نطرح فكرة الإلهام وتقديم نموذج جديد؛ يعتمد على إعادة قراءة النماذج الحضارية الأولى أو حضارات الموجة الأولى (التي تنتمي لها مصر والعراق)، ومفاهيمها عن التعايش والسلام والآخر وما إلى ذلك.
– كيف ينتظم مشروع المشترك الثقافي في طرحك الفكري ومشروعك العام؟
عملت مؤخرا على عدة نظريات وأطروحات ثقافية وفلسفية، أوسعها هو دراستي عن “المسألة الأوربية وما بعدها” والوعي بتجاوز المتلازمات الثقافية التي ارتبطت بها وليس الانتصار لأي منها والوقوع في الفخ، وكذلك دراستي عن “دراسات ما بعد الاستقلال” عن الاحتلال الأوربي، والعودة لمنتصف القرن الماضي ونقد التصورات النظرية والفكرية لها، وإعادة قراءة النمط التاريخي لتقديم نمط بديل يصلح للمستقبل ورصف الطريق له، من ثم مدرسة “الدراسات الثقافية العربية المقارنة” تأتي تتويجا أو نتاجا للتصور الكبير المسمى “ما بعد المسألة الأوربية” والتصور الذاتي عن العودة لمرحلة “دراسات ما بعد الاستقلال” عن الاحتلال القرن الماضي.
– هل نفهم من ذلك أننا أمام مشروع فكري وفلسفي جديد!
المشاريع الكبرى لا تبدأ فجأة، واعتقد انني في طريق بدأته منذ حوالي ثلاثين عاما عندما كنت أمينا لجماعة الفكر والأدب في جامعة المنصورة، فكرة البديل عن الاستقطابات والتجاذبات الراهنة، وطرح خطاب جديد يستند إلى أسس فلسفية جديدة، وللمفارقة هذا يشبه تصوري للشعر حيث بدأت ومازلت شاعرا، أرى ان الذات العربية وقعت ضحية لاستقطبات المسألة الأوربية وثنائياتها الحدية، ما بين اليمين واليسار، وما بين الليبرالية والماركسية، ما بين فرق الدين السياسي وتطرفها حد التكفير وبين ودعاة العلمانية المتشددة حد الإلحاد، نحن في حاجة إلى مفصلية ثقافية جديدة تتجاوزكل هذه الثنائيات الحدية، وتعيد إنتاج الذات العربية مجددا في القرن الحادي والعشرين.
– تقابلتَ مع عدة سفراء عرب ومسئوليين ثقافيين أجانب، ما كان انطباعهم وتصورهم للدبلوماسية الثقافية ومشروع المشترك الثقافي العربي؟
على المستوى العربي الدبلوماسي وجدنا شوقا غريبا ورغبة عارمة في التعارف مجددا، والعمل على المستوى الثقافي والشعبي لمد الجسور بدلا من الاستقطابات التي تفجرت، ووجدنا مساحة واسعة من المشترك الثقافي الطبيعي تحتاج فقط للاستثمار، وتسليط الأضواء عليها أكاديميا وسياسيا وفنيا، ووجدنا أيضا بعض المشاكل والصور السلبية إرث الدراسات الثقافية الغربية وتفجير التناقضات التي اتفقنا على ضرورة العمل على مواجهتها وتفكيكها، ودعم المتن العربي الجامع في القرن الحادي والعشرين الحاوي لكل أبنيته في المراكز وفي التخوم، وكم سعدنا بالعمل في الملف السوداني والتونسي واليمني، وهي ملفات شديدة الحساسية والأهمية، وحاليا نعمل على الملف العراقي.. أما على المستوى الأجنبي فلقد تحركنا ندا إلى ند في مباردة تبادل المزيج الثقافي بطريق الحرير واستقبلها الصينيون بشكل جيد للغاية، وأعتقد أنهم اعتمدوا الكثير من خطوطها العامة في سياساتهم الثقافية الخارجية.
– أخيرا ما تصورك لراهن الثقافة العربية والمثقفين العرب، وأين تكمن الأزمة؟
الركون للراحة والمنجز، واستعذاب التحسر على الحال والحنين للماضي والبكاء على الأطلال، والتمسح بالشعارات بدلا من التأسيس لواقع جديد، وذلك جعل بينهم وبين الرغبة في مواجهة الواقع واستحقاقاته فجوة كبيرة.. فجوة نفسية قبل أي شيء، أصبحت الثقافة العربية والمصرية تحديدا خارج السياق عاجزة عن المواكبة متشبثة بالماضي التليد أيديولوجيا وأدبيا، وهنا أتحدث عن الثقافة بوصفها مصنع إنتاج التصورات لمواجهة الواقع واستشراف بدائله للمستقبل، وليس الثقافة بوصفها العام والشائع، فالمشكلة أننا حولنا الثقافة إلى فعل كرنفالي، أو فعل بكائي، ومجال للمزايدة، والتحسر على الحال.
المعظم تكيف مع الأنماط الرائجة في القرن الماضي، أدبيا وفكريا/ أيديولوجيا، أدبيا سادت موجة كتابة ما بعد الحداثة وقصيدة النثر، وكذلك في السرد رواية الهزيمة، والتشيؤ ووصف الواقع (إرث نجيب محفوظ في مرحلة الواقعية)، وفكريا انتظم المعظم في أنماط الكتابة والفكر التي صدرها الغرب، وروج لها دون جرأة على النقد التأسيسي -بعيدا عن النقد التعبيري من الخارج- لطرح بدائل كلية سواء في الأيديولوجيا أو التطبيقات الأكاديمية.. والمشكلة أن هؤلاء وأولئك يمارسون فعل الثقافة بوصفه حكرا خاصا، وبوصفه قضية منتهية، وتكونت شبكات مصالح مادية ونفسية تجمع بينهم، لذا أقولها صراحة نحن في حاجة إلى تأسيس جديد للثقافة المصرية والعربية.

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق