زهرة شوشة تكتب: دور المرأة في إصلاح المجتمع

0 15

 

يأتي اليوم العالمي للمرأة ليكون مناسبة للاحتفاء بدورها العظيم في بناء المجتمعات واستقرار الأسر. فالمرأة ليست مجرد نصف المجتمع كما يُقال، بل هي الأساس الذي يقوم عليه المجتمع كله لأنها العنصر الذي ينشئ الأجيال القادمة ويرسّخ القيم والمبادئ في نفوسهم فهي ليست مجرد فرد يؤدي أدوارا تقليدية، بل القلب النابض للحياة الذي يمنح الدفء والطمأنينة ويربي أبناء يحملون الخير لمستقبل الوطن.

فصلاح المرأة أساس صلاح الأسرة وصلاح الأسرة هو صلاح المجتمع بأكمله. المرأة الصالحة ليست فقط نعمة لأهلها، بل هي نعمة لمجتمعها ووطنها أيضا. فهي التي تدرك أن التربية ليست مجرد تقديم الطعام والملبس، بل هي بناء الإنسان من الداخل وتنمية شخصيته وأخلاقه وتعليمه كيف يتحمل المسئولية عن نفسه وعن الآخرين.

المرأة تربي أبناءها على الأخلاق والصدق والأمانة وتساهم في إخراج جيل واعٍ يدرك قيمة العمل والاحترام والتعاون. وهناك أمثلة كثيرة من التاريخ تؤكد هذا الدور العظيم، فكم من أم استطاعت أن تصنع أبطالا غيروا مسار التاريخ. أحد هذه الأمثلة البارزة هي والدة الإمام الشافعي، التي تمنت رغم الظروف القاسية التي مرت بها أن يكون ابنها من العظماء فاجتهدت في تعليمه وحثّه على طلب العلم حتى أصبح أحد أئمة الفقه الكبار الذين أثروا في الفكر الإسلامي إلى الأن، لم يكن لديها ثروة تنفقها عليه ولم تجد من يدعمها لكنها كانت تؤمن بأن العلم هو المفتاح الحقيقي للنجاح فحرصت على أن يحفظ القرآن ويتلقى العلوم رغم صعوبة الحياة، وكان لثباتها وصبرها الأثر الكبير في تكوين شخصيته.

أيضا الأديب الكبير د. طه حسين، الذي فقد بصره في طفولته، لكنه لم يستسلم للإعاقة بل اتخذ من العلم والمعرفة سلاحا لمواجهة التحديات. فكانت والدته هي الداعم الأساسي له زرعت فيه العزيمة والإصرار فلم يكن فقدان البصر حاجزا يمنعه من أن يصبح أحد أعظم الأدباء والمفكرين في العصر الحديث.

المرأة الصالحة تفهم أن الأسرة ليست مجرد بيت يجمع أفرادها ، بل هي كيان يحتاج إلى الوعي والإدراك لتجنب المشكلات التي قد تؤدي إلى انهياره. فهي تدرك أن الاستقرار الأسري لا يتحقق فقط بالمال بل بالمحبة والاحترام والتفاهم. لذلك فهي لا تنساق وراء المغريات التي قد تهدم بيتها ولا تسعى خلف المظاهر الخادعة التي تجعل الحياة سطحية بلا معنى فكم من امرأة ضيّعت أسرتها بسبب الانشغال بالمظاهر والبحث عن الرفاهية المزيفة، وكم من امرأة حافظت على أسرتها رغم قلة الإمكانيات فكانت سببا في تماسكها وقوتها.

في وقتنا الحالي تواجه المرأة تحديات كثيرة خاصة مع التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية التي أثرت على طريقة التفكير وأنماط الحياة. ومع ذلك، تبقى المرأة الواعية قادرة على تحقيق التوازن بين التطور والحفاظ على القيم فهي لا ترفض الحداثة لكنها تستخدمها بطريقة إيجابية تفيد أسرتها ومجتمعها. فالمرأة القادرة على توظيف التكنولوجيا في تثقيف أبنائها وتنمية مهاراتهم هي نموذج ناجح للمرأة العصرية التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة.

المرأة ليست ضعيفة كما يروج البعض بل هي قوية بإرادتها ثابتة بمبادئها تعرف طريقها جيدا ولا تسمح لأحد بالتقليل من شأنها. فالقوة لا تعني العناد أو الدخول في صراعات لإثبات الذات بل تعني الثقة بالنفس والقدرة على اتخاذ القرارات الصائبة. فالمرأة التي تتحمل مسئولياتها بوعي وتفهم دورها في بناء أسرة ناجحة ومجتمع مستقر هي امرأة قوية بكل المقاييس. لم يعد دور المرأة محصورا في بيتها فقط، بل امتد ليشمل مجالات العمل والتعليم والقيادة ومع ذلك فإن المرأة الصالحة تدرك أن النجاح في الحياة لا يعني التخلي عن القيم أو المسئوليات

فكم من امرأة عاملة استطاعت أن تحقق التوازن بين حياتها الأسرية والمهنية وكانت مثالا للنجاح في كلا الجانبين. وكم من امرأة فقدت هذا التوازن فخسرت أسرتها رغم نجاحها في عملها. السر يكمن في الوعي والإدراك وليس في تقليد الآخرين دون تفكير. والمرأة الصالحة ليست مجرد شخص يعيش في محيطه الضيق بل هي قوة تغيير إيجابية في المجتمع فهي التي تربي وتنشئ وتغرس القيم، وهي التي تبني أسرة متماسكة وهذا هو الأساس لأي مجتمع قوي ومستقر.

لذلك، فإن إصلاح المجتمع يبدأ من إصلاح المرأة فإذا كانت المرأة واعية ومدركة لأهمية دورها فإن ذلك ينعكس على الأسرة والمجتمع بأكمله. فصلاح المرأة يعني صلاح الأجيال وصلاح الأجيال يعني مستقبلا آمن للجميع.

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق