رفاعة رافع الطهطاوى .. أحد قادة النهضة العلمية في مصر

0 761
               إعداد/ سيد حاج
مولده ونشأته العلمية
ولد رفاعة الطهطاوي في مدينة طهطا، محافظة سوهاج بصعيد مصر في 15 أكتوبر عام 1801، تعلم في صغره في مسقط رأسه في طهطا، والتحق بالأزهر بعد انتقاله إلى القاهرة عام 1817م، وهناك حصل على شرف صحبة شيخ الأزهر حسن العطار ونال فرصة التعلم منه، وسرعان ما التمس الإمام العطار براعة ونبوغ تلميذه وكان شاهدًا على ذكائه الفذّ وعبقريته، وعندما بلغ الطهطاوي سن 21 عامًا وتخرج من الأزهر سنة 1821م عُين كمُدرس في الأزهر، واستمر في التدريس لمدّة عامين، قبل أن ينتقل إلى الجيش المصري ويُعين إمامًا وواعظًا فيه، وخلال هذه الفترة كان من المُقرر إرسال بعثة علمية مصرية لدراسة مجموعة من العلوم التقنية العصرية في فرنسا من قبل الوالي محمد علي باشا، وبالنظر لنبوغ الطهطاوي، فقد اختاره شيخه العطار ورشّحه لأن يرافق هذه البعثة كواعظ ومُرشد للطلاب في باريس، وبالفعل تم إرساله للبعثة.
وخلال إقامته في باريس تعلّم اللغة الفرنسية وأبدع وتفوَّق فيها فأجادها، كما تثقف وقرأ كتب الأدباء الفرنسين المعروفين، بالإضافة للاطلاع على كتابات رجال القانون ومعلمي الجغرافيا والمؤرخين. وفي عام 1832 عاد إلى مصر وعُين مُترجمًا في مدرسة الطب، ومن بعدها مُترجمًا للفنون العسكرية والعلوم والهندسة في مدرسة الطوبجيّة (المدفعية)، ولم يقتصر اهتمامه ونشاطه على الترجمة فقط، بل أنشأ أول مُتحف أثري في تاريخ مصر، وعمل مُشرفًا على صحيفة معلمه حسن العطار التي حملت اسم “الوقائع المصرية”، والتي كانت تصدر باللغتين العربيّة والتركية، فأبدع وحسّن من إخراجها، كما أنه اهتم بتطوير التعليم والتربية، خاصةً بعد توليه منصب مفتش للتعليم، فسعى إلى تعزيزه ودعمه وإصلاحه، وذلك من خلال النظر في المناهج التعليمية المصرية المعتمدة للطلاب في المدارس، فدعا إلى تطويرها وتحديثها.
أنشأ الطهطاوي مجلة تربوية حملت اسم “روضة المدارس”، لكنه لم يهتم كثيرًا بها؛ بسبب انصرافه إلى الترجمة الفرنسية، وعُين من بعدها ناظرًا في مدرسة الألسن التي أنشئت عام  1835وكان اسمها مدرسة اللغات، وأضاف لها “قلم الترجمة” فغدت من أكثر المدارس تأثيرًا في النهضة الثقافية والفكرية المصرية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، وبالنظر لمساهماته لقي الثناء والمديح من والي مصر رضا محمد علي باشا فأكرمه ومنحه الكثير من النقود حتى بات ثريًا، ولكن مسيرته لم تكن بتلك السهولة، إذ أن الوالي عباس باشا الأول نفاه من مصر إلى السودان بسبب تعصبه الناجم عن افتقاره للنهج التربوي والتطلّع للعلم، وعدم امتلاكه حس النهضة والرغبة في النمو والتحديث، ومع ذلك، خلال إقامة الطهطاوي في السودان أنشأ فيها أول مدرسة ابتدائية، وبعد عودته لمصر دعم مدرسة الألسن، وحاول توعية المجتمع أكثر وطالب بتعليم المرأة كونها النصف الآخر للمجتمع، وتبنى جملة من الأفكار التربوية والتعليمية المفيدة التي ساهمت في نهضة المجتمع المصري وعلوّه.
أبرز مؤلفاته
“مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية”
يضم الكتاب مجموعة من الأفكار الأساسية التي تبناها العلامة النابغ رفاعة الطهطاوي والتي تهدف لإصلاح المجتمع والارتقاء به، ويدعو الكتاب إلى التثقيف والتنوير السياسي، وذلك لإحياء الروح المصرية وشحذ الهمم الوطنية لأفراد المجتمع، انطلاقًا من دور الإصلاح والتحديث والتمدن وتأثيره على المجتمع وتغييره من عاداته للأفضل، كتزكية الأخلاق ونشر الفضائل والدعوة للصلاح بين الأفراد، حيث تصب ثمار هذا التمدن في إطار المصلحة العامة الذي يتمثل من خلال خدمات الدولة لمواطنيها والتي تشمل كافة القطاعات والمجالات التجارية والصناعية والزراعية، والتي يمكن أن يستفيد منها جميع أفراد الشعب المصري دون تمييز بينهم بحسب مضمون التمدن الذي يُشارك فيه الجميع بحسب إمكانياتهم وطاقاتهم، ويلتزمون بمسؤولياتهم وأدورارهم كلٌ حسب مكانته، ونوّه لدور المثقفين والحكّام الذين يُعرفون بنخبة الأمم في تسريع عجلة التمدن ودفعها، وذلك بتشجيع المشاريع العلمية، ودعم الثقافة والمعرفة بصورة معنوية ومادية بكل ما لديهم من قوّة وإمكانية.
“المرشد الأمين للبنات والبنين”
كتاب تربوي قيّم يحمل هدفًا ومقصدًا ساميًا، حيث دعا من خلاله العلامة الطهطاوي إلى ضرورة تعليم البنات وتحسين أوضاع النساء بشكل عام نظرًا لدورها المهم والمفيد في المجتمع.
“تخليص الإبريز في تلخيص باريز”
بعد سنوات خمسٍ حافلة، أدى رفاعة امتحان الترجمة، وقدَّم مخطوطة كتابه الذى نال بعد ذلك شهرة واسعة: تَخْلِيصُ الإِبْرِيزِ فىِ تَلْخِيصِ بَارِيز .يسرد في هذا الكتاب الأحداث التي رافقته في مسيرته وتحديدًا خلال البعثة العلميّة التي قدمها له والي مصر محمد بن علي برفقة مجموعة من الطلاب إلى فرنسا، والتي امتدت ما بين 1826-1831م، وبالرجوع إلى أن رفاعة كان من خريجي الأزهر، فكان له دور أساسي كواعظ ومُرشد للطلاب المُقبلين على العلم في هذه البعثة، ولكن نبوغه وحبه للعلم دفعه للتزود وطلب المعرفة جنبًا إلى جنب مع طلابه، فكان له دور بارز في التحديث الذي شهدته الدول الإسلامية خلال مراحل التطور التاريخي والنهضة المعاصرة.
توفى رفاعة الطهطاوي في مصر في 27 مايو 1873م، عن عمر يناهز 72 عامًا.

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق