بقلم- سمير محمد شحاتة
قضية الفن من أهم القضايا التي شغلت الناس على مساحة الأرض وعبر التاريخ، مرورًا بكل الحضارات القديمة والحديثة، ولا شك أيضًا في أن هناك علاقة وثيقة بين الفنون والأديان على اختلافها، وقد عرف بعض الفلاسفة الفن بأنه التعبير المادي لفكرة دينية في الإنسان أو بواسطة الإنسان، ثم انتقل نشاط كافة الفنون إلى أغراض حضارية متنوعة تخدم في كافة مناحي الحياة.
وعن موقف الإسلام من الفنون الحديثة، والذي انحصر بين فريقين: فريق يُحرم مُطلقاً، وفريق يُبيح، هناك العديد من الضوابط والقيود تحكم هذه الإباحة.
إن اهتمام المسلمين بالجماليات لم يكن أمرًا طارئًا أو تأثرًا بثقافات أخرى، بل كان -ولا يزال- أمرًا عميقًا في الثقافة والحياة الإسلامية، وأن أي متتبع للفكر الإسلامي يجد مسألة الجمال والإحساس به وتذوقه والاهتمام بفنونه، هو أحد الأبعاد الأساسية في هذا الفكر، الذي ينبع أساسًا من مصدره الأول “القرآن الكريم”، الذي ينطق باللفظ الجميل، ويصور المعاني الجميلة، مشيرًا إلى أنه لا تصور للجمال بلا فن، ولا تصور للفن بلا جمال. فالفن قبل ترجمته كان فكرة فيها تمازج وتمايز أحدث جمالاً، وبالتالي فالجمال في الفن “الإسلامي” مدخل إلى الارتقاء بالروح والذوق، والسمو بالنفس، وملهب للعاطفة، ومنشط للوجدان، ومحرك للفكر كي يجول فيما هو أبعد من المظاهر الحية، كما أنه قد يكون من أسباب الإيمان، فالقيم الجمالية تعمق هذا الإيمان.
الإسلام والفن والجمال
حرص الإسلام على تصحيح نظرة الناس إلى خالق الكون والحياة، لأن مفهوم التدين -في فترات الغلو- بات محصورًا في زوايا المعابد والصوامع، حتى ابتدع البعض التبتل والرهبانية والانقطاع عن شهوة الجسد، ونظروا إلى العلاقات الجنسية نظرة تحريم، ولو كانت في إطار الزواج، ومنهم من اعتنق فلسفة تعذيب الجسد وحرمانه باعتباره إخلاصًا لله بزعمهم، وفي حمأة ذلك يغيب عن بعض المسلمين دعوة النبى (ﷺ) إلى شكر الله تعالى بطاعته والتمتع بما خلق، وكما أمر بقوله: “إن أحب الأعمال إلى الله بعد الفرائض إدخال السرور على المسلم”.
فثمة تنافر بين الفنون والإسلام، وما ساعد في ترسيخه حاليًا واقع الفن الهابط -غالبًا- الذي يخوض في جل أعماله في تجسيد الصورة العارية، والفكرة العارية، داعيًا إلى إيجاد فن إسلامي نظيف، لا يتحدث بالضرورة عن الإسلام، بالخطابة والوعظ المباشر، بل برسم صورة الوجود من زاوية التصور الإسلامي لهذا الوجود، بحيث تكون غاية الفن التخلق بالأخلاق التى شرعها الله، أي “الفن الفضيلة” و”الفن للدين” أو “الفن الموجه”، وهو ما يتعارض مع “الفن المتحرر” و”الفن الإباحي” أو “الفن اللا ديني”.
فن التمثيل : ماهيته، أهميته، حكمه
جاء رأى كثير من العلماء والمفكرين على أن السينما مرهونة بالوظيفة التي تقدمها، وبالأهداف التي تبتغيها من حيث الحل أو الحرمة، وبعد أن انتهى إلى إباحة التمثيل من حيث هو أداة، فقد جعل ذلك مرهونًا بشروط حتى تتأكد هذه الإباحة، من أهمها خلو العمل التمثيلي من كل ما يتعارض مع شعائر الإسلام وشرائعه، وألا يتناقض والأخلاق، وألا يدعو للانحراف، أو يثير الغرائز، وألا يلهي عن أداء الفرائض وحق الله تعالى على العباد، وألا تشغله عن أداء واجباته تجاه نفسه وأسرته ومجتمعه. بمعنى أن الفن التمثيلي ليس إلا وعاء، إذا وضعنا فيه شيئا محرمًا، فهو محرم بهذا الشيء، وليس لذاته، وإذا وضعنا فيه شيئًا مباحًا فهو مباح، أي أن أمر الإباحة والتحريم تدور مع مضمون العمل الفني وكيفية معالجته، وهناك مقولة جميلة للشيخ أحمد الشرباصى يقول فيها “إذا تدين رجل الفن، وتفنن رجال الدين، التقيا في منتصف الطريق لخدمة العقيدة والفن السليم”.
والواقع السينمائي الحالي وأفلامه الداعية غالبًا إلى التهوين من الفضائل، وتحبيذ الرذائل، ونشر العري والتحلل، وإشاعة الفحشاء والمنكر، وما فيها من حوار مكشوف يحمل إيحاءات جنسية فجة، ومناظر العناق والتقبيل بين الممثلين والممثلات، مما لا يجوز إلا في غرف النوم بين الأزواج والزوجات، يؤكد علي الحاجة الماسة لصناعة سينما إسلامية، نوقف بها مظاهر الغزو الثقافي لأمتنا، ونواجه بها حملات التشويه والتشكيك والعداء، التي يضمها جزء من السينما الأجنبية الواردة إلينا، فموضوعات السينما الإسلامية لا تقتصر على الموضوعات المستمدة من التاريخ الإسلامي بحوادثه وأحداثه، بل من السيرة النبوية، وعصر الخلفاء الراشدين والمعارك الكبرى في الإسلام، وحياة قادته البارزين. فالأفلام العلمية والاجتماعية وأفلام الأطفال، على تنوع الموضوعات حين تعرض من منظور إسلامي -ومن غير وعظ مباشر- قد تكون سينما إسلامية أيضًا.