الكنيسة المعلقة من أشهر المزارات الدينية التى تروى تاريخ الأقباط فى مصر

0 980

تحقيق: ولاء شعبان

فى حى مصر القديمة بالقاهرة العامرة بنيت الكنيسة المعلقة أقدم الكنائس بمصر بالقرب من جامع عمرو بن العاص، ومعبد بن عزرا اليهودى، وكنيسة القديس مينا بجوار حصن بابليون، وكنيسة الشهيد مرقوريوس (أبو سيفين)، وكنائس عديدة أخرى. ويسمى البعض الكنيسة بأم العذراء مريم، وسمى بالمعلقة لأنها شيدت فوق برجين من حصن بابليون الرومانى.

ويعتقد أن أصل هذه الكنيسة هى المغارة التى اختبأت فيها العائلة المقدسة عندما وصلت إلى مصر (السيدة مريم العذراء، والمسيح الطفل، والقديس يوسف النجار)، احتمت بالمكان الذى بنيت فيه الكنيسة لمدة ثلاث سنوات هروبا من هيرود حاكم فلسطين الذى كان قد أمر بقتل الأطفال تخوفا من نبوءة وردته. والبعض يرى أنها مكان لقلاية (مكان للخلوة) كان يعيش فيها أحد الرهبان النساك، فى واحد من السراديب الصخرية المحفورة في المكان.

الكنيسة المعلقة بمجمع الأديان

تقع واجهة الكنيسة بالناحية الغربية على شارع مار جرجس وتظهر لركاب مترو الأنفاق حيث توجد محطة للمترو تحمل اسم الكنيسة أمامها مباشرة، وهى من طابقين. وتوجد أمامها نافورة، وقد بنيت بالطابع البازيليكى الشهير المكون من 3 أجنحة وردهة أمامية وهيكل يتوزع على 3 أجزاء، وهى مستطيلة الشكل، وصغيرة نسبيا فأبعادها حوالى 23.5 متر طولا و185 مترا عرضا و95 مترا ارتفاعا. وهى تتكون من صحن رئيسى وجناحين صغيرين، وبينهما ثمانية أعمدة على كل جانب، وما بين الصحن والجناح الشمالى صف من ثلاثة أعمدة عليها عقود كبيرة ذات شكل مدبب، والأعمدة التى تفصل بين الأجنحة هى من الرخام فيما عدا واحدا من البازلت الأسود، والملاحظ أن بها عدد من تيجان الأعمدة “كورنثية” الطراز. وفى الجهة الشرقية من الكنيسة توجد ثلاثة هياكل هى: الأوسط يحمل اسم القديسة العذراء مريم، والأيمن باسم القديس يوحنا المعمدان، والأيسر باسم القديس مار جرجس.

أمام هذه الهياكل، توجد الأحجبة خشبية، وأهمهم الحجاب الأوسط المصنوع من الأبنوس المطعم بالعاج الشفاف، ويرجع إلى القرن الثانى عشر أو الثالث عشر، ونقش عليه بأشكال هندسية وصلبان جميلة، وتعلوه أيقونات تصور السيد المسيح على عرش، وعن يمينه مريم العذراء والملاك جبريل والقديس بطرس، وعلى يساره يوحنا المعمدان والملاك ميخائيل والقديس بولس، وبأعلى المذبح بداخل هذا الهيكل توجد مظلة خشبية مرتكزة على أربعة أعمدة، ومن خلفه منصة جلوس رجال الكهنوت. فى الجناح الأيمن من الكنيسة تم تعليق أجزاء من صحف قومية مصرية، على أحد الحوائط، راصدة أحداث ومشاهد من التاريخ الحديث للكنيسة، والمتعلقة بالأقباط فى مصر.

ولا تزال الدعوة الإسرائيلية بإقامة متحف يهودى فى منطقة مصر القديمة، حيث حصن بابليون والكنيسة المعلقة والمعبد اليهودى كما توضحه الصورة ومسجد “عمرو بن العاص” وقبور أولياء الله الصالحين ومقامات بعض من أصحاب رسول الله صلى الله علية وسلم الذين أتوا لفتح مصر، ورفات بعض القديسين وموضع أقدام وجلوس السيد المسيح عليه السلام ومعه أمه السيدة مريم عليها السلام، وآثار موقع قدم سيدنا موسى عليه السلام الذى كان يعيش فى هذه المنطقة حسب رواية اليهود، فيقولون إن موسى وارميا سجدا فى هذا المكان، وأنه بنى فى هذا المعبد مكان خاص سمى “جونيز” لحفظ توراة موسى غير المكتملة والتى وضعها فيه عزرا الكاتب.

ويقول اليهود الذين يطلقون الدعوة لإقامة مجمع الأديان أن بالمعبد أطلس موسى النبى الذى يدعى صخرة المعجزة حيث يوجد قبر “ارميا”، وتوجد توراة قديمة مكتوبة على جلد غزال من حوالى عام 475ق.م.، وسقف أرابيسكو والذى يرجع إلى عام 1115 بعد الميلاد، ومكان لحفظ التوراة “الجونيز”، ولوح من الخشب منقوش بالكوفى ويشير إلى زيارة عمرو بن العاص إلى هذا المكان ولوحة مرسومة على جلد غزال لشمعدان وسبعة فروع.

ويوجد بالمنطقة “حصن بابليون” والذى بناه “نبوخذ نصر”، وذلك حين استيلاءه على مصر بعد أن نفى اليهود إليها عقب هدمه “أورشليم”. وقد قدم “نبوخذ نصر” إلى مصر بجيش جرار وحاربها لأن اليهود والساكنين فيها كانوا شقوا عصا الطاعة عليه وسمى القلعة “بابليون” كإسم عاصمة بلاد أشور، وهذا يوافق ما جاء بارميا.

وتوجد بالمنطقة كنيسة القديسة “بربارة” والتى تأسست أوائل القرن الخامس الميلادى، ولقد ولدت الفتاة الجميلة “بربارة” فى أوائل القرن الثالث المسيحى بنيكوميديا إحدى بلاد الشرق من أب غنى وثنى أسمه “ديفوروس”. ولما اعتنقت المسيحية على يد العلامة المصرى “اوريجانوس” فضلت أن تحيا بتولاً وانتهرت أباها على عبادة الأوثان فقضى عليها وقتلها. كما توجد بالمنطقة التى كانت تسمى بالأمس “الفسطاط” وقل كثيراً أو انعدم إستخدام هذا الإسم وحل مكانة أسم “مصر القديمة”.

“الكنيسة المعلقة” سميت كذلك لأنها مشيدة فوق الحصن الرومانى “بابليون”، وكانت الوحيدة التى ليس لها قباب وإنما سقف خشبى على شكل سفينة نوح والتى تشير إلى الخلاص، ويرجع بناؤها إلى أواخر القرن الثالث وأوائل الرابع الميلادى، وقد عثر بها على رسومات حائطية للألهة الوثنية للرومان، ويذكر حادث طريف عن هذه الكنيسة أن الخليفة “المعز لدين الله”، والذى طلب من الأنبا إبرام البطريرك الثانى والستين نقل جبل المقطم عملاً بما جاء بإنجيل متى: “لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل أنتقل من هنا إلى هناك فينتقل”، وقد حدث بعد ذلك زلزال عنيف تشقق له المقطم فأكرم الخليفة ذلك البطريرك.

وفى تلك البقعة من القاهرة المليئة بأحداث التاريخ ونبضات الأديان الثلاثة فى مهدها الأول، ووسط هذا الطلب المتزايد من جماعات يهودية بإقامة المجمع قال المرحوم القمص “مرقس عزيز” الكاهن السابق للكنيسة المعلقة: أن طلباً كهذا لا يمكن أن يتحقق، لأن المسيحيين على عداء مع اليهود، حيث يعتقدون أنهم هم الذين قتلوا المسيح، بينما يرى المسلمون أن القرآن الكريم يقول: “لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود”، ويواصل القمص مرقص قائلاً: أن اليهود كذلك يحتلون بقعة غالية من عمر الدين المسيحى والإسلامى وهى بيت المقدس، فكيف لهم أن يقيموا مجمعاً وهم يحتلون أرضاً ليست أرضهم.

ويستنكر الشيخ “محمد جبريل” قارئ مسجد عمرو بن العاص هذه الدعوة، ويؤكد أن اليهودية دين يحترمه الإسلام، وهم يقيمون معبدهم، لكن بعد أن حرفوا دينهم، فلهم دينهم ولنا ديننا، ولقد قال الله تعالى “يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله”، فالله تعالى الذى نعبده غير الإله الذى يعبدونه متخذين معه شريكا، والشريك هنا هو إبنه كما تقول النصارى “بالمسيح”، وعزير كما تقول اليهودية. فعليهم أن يراجعوا أنفسهم فيما يفعلوه بالمسجد الأقصى وبالفلسطينيين.

ويذكر محمد إبراهيم السيد وكيل وزارة الآثار أن هذا الطلب ليس وليد هذه الفترة فحسب بل هو قديم يجدده اليهود كل فترة لإثبات أن لديهم أكثر مما يعتقد الناس، والمكان الأثرى بمنطقة مصر القديمة يضم أطيافاً من الأديان الثلاثة، ولم يمنع أحد من أى من هذه الأديان أن يُزور ما يوافق معتقده، بل هى منطقة مفتوحة للجميع، وها قد استجاب وزير الثقافة مؤخراً لدعوة الكنيسة برفض جعل المنطقة منطقة سياحية يدخلها الزائرون بتذاكر ورسوم.

ويؤكد الشيخ محمد الأطرش بلجنة الفتوى بالأزهر أن فكرة المجمع للأديان الثلاثة، لا تتوافق مع ما يدعو إليه كل معتقد منها، فالثلاثة لا يعترف بعضهم بالآخر، والمهم هو أن يمارس كل عبادته بحرية، ولا يعتدى أى منهم على الآخر، وكلنا يعرف نص الحديث الذى يقول: “من أذى آدمياً فأنا خصيمه يوم القيامة”، إشارة إلى تحقيق الأمن واحترام ممتلكات ومقدسات الآخر، بصرف النظر عما إذا كان يهودياً أو مسيحياً.

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق