كيف نشأت اللغة العربية؟

0 413

          بقلم/ سيد حاج

نشأت اللغة العربية فى أحضان جزيرة العرب خالصة لأبنائها منذ ولدت نقية سليمة مما يشينها من أدران اللغات الأخرى. لبثت كذلك أحقابا مديدة كان العرب فيها يغدون ويروحون داخل بلادهم على ما هم عليه من شظف العيش غير متطلعين إلى نعيم الحياة وزخارفها فيما حولهم من بلاد فارس والروم وغيرها.

 

وكان اللحن موجودا منذ عهد رسول الله ()، يقول أبو الطيب: إعلم أن أول ما اختل من كلام العرب وأحوج إلى التعلم : الإعراب، لأن اللحن ظهر فى كلام الموالى والمتعربين من عهد النبى () : فقد روينا أن رجلاً لحن  بحضرته فقال:  “أرشدوا أخاكم فقد ضل”، وعندما انتشر الإسلام وخالط العرب الأعاجم خشى العرب من اندثار اللغة العربية فوضع علم النحو لكى يحافظ عليها.

 

ولم يك قبل الإسلام ما يحمل العرب على النظر إليه، فإنهم فى جاهليتهم أغنياء عن تعريفه، لأنهم كانوا ينطقون عن السليقة التى جبلوا عليها، بخلافهم بعد الإسلام إذ تأشبوا بالفرس والروم والنبط وغيرهم فحل بلغتهم ما هال الغير عليها وعلى الدين حتى هرعوا إلى وضع النحو. وقد كان وضعه ونشوؤه فى العراق لأنه على حدود البادية وملتقى العرب وغيرهم.

 

واضعه الإمام على كرم الله هو الذى وجه أبى الأسود الدؤلي رضى الله عنه. وروت كتب الأدب والتراجم أن هذا العلم كان يُسمى العربية فى عصر أبى الأسود، فالتسمية بالنحو بعد عصره. وسبب التسمية بالنحو أن أبا الأسود لما عرض على الإمام على  ما وضعه فأقره بقوله: “ما أحسن هذا النحو الذى قد نحوت” فآثر العلماء تسمية هذا العلم باسم النحو استبقاء لكلمة الإمام التى كان يراد بها أحد معانى النحو اللغوية. ونشأ النحو فى أول الأمر صغيرًا شأن كل كائن، فوضع أبو الأسود منه ما أدركه عقله ونفذ إليه تفكيره، فلأبى الأسود الفضل فى بدء الغرس الذى نما وترعرع وازدهر.

 

فإن الطبقة الأولى التى أخذت عن أبى الأسود استمرت فى تثمير ما تلقته عنه ووفقت إلى استنباط كثير من أحكامه وقامت بقسط فى نشره وإذاعته بين الناس وكان من أفذاذ هذه الطبقة عنبسة بن معدان الفيل، ونصر بن عاصم الليثى، وعبدالرحمن بن هرمز، ويحيى بن يعمر العدوانى.

 

أما الطبقة الثانية، التى كانت أكثر عددا من سابقتها، فقد كانت أوفر منها حظًا فى هذا الشأن، إذ وطأت لها سبله فازدادت المباحث لديها وأضافت كثيرًا من القواعد وقتها، واستطاعت التصنيف، فدونت فيه بعض الكتب المفيدة، وكان من المشار إليه عبدالله بن أبى إسحاق الحضرمى، وعيسى بن عمر الثقفى وأبو عمرو بن العلا. هذا الطور النشوء والنمو من عهد الخليل بن أحمد (البصرى)، وأبى جعفر محمد بن الحسن الرؤاسى (الكوفى) إلى أول عصر المازنى (البصرى) وابن السكيت (الكوفى).

 

ونقصد الآن بالنحو معناه العام الذى يشمل مباحث الصرف لأن مباحث رجال الطور الماضى كانت منصرفة حول أواخر الكلمات كما عُرف عنهم بخلاف رجال هذا الطور، فإنهم قد اتجهت أنظارهم إلى مراعاة أحوال الأبنية أيضًا، فمنذ ذلك الحين ظهرت مباحث الصرف فى طى كتب النحو وشغلت منها فراغًا وعم الأمرين اسم النحو.

 

فسطع فى سماء البصرة نجوم متألقون تألف منهم عقد الطبقة الرابعة بزعامة سيبويه الذى وهب ملكة التصنيف والتنسيق فأبدع كتابه، وكان يعاصرهم الطبقة الثانية من الكوفية التى كان يقودها الكسائى.

 

هذا طور النضج والكمال من عهد أبى عثمان المازنى البصرى إمام الطبقة السادسة ويعقوب بن السكيت الكوفى إمام الطبقة الرابعة إلى آخر عصر المبرد البصرى شيخ السابعة وثعلب الكوفى شيخ الخامسة.

 

لقد هيأ الطور السالف لهذا الطور الكمال والنضج بفضل رجاله من جهد مضن كان له الأثر الناجح فى تخريج جمهرة من العلماء امتاز بها هذا الطور عن سابقيه فى كلا البلدين.

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق