فضائل شهر شعبان

0 662

       كتب: أحمد فيظ الله عثمان
مدير عام الإدارة التعليمية بالمعادى سابقًا
استقبل المسلمون شهر شعبان، حيث يتوسطه ليلة النصف من شعبان التى يتجلى فيها الله على خلقه بعموم مغفرته وشمول رحمته، فيغفر للمستغفرين ويرحم المسترحمين ويجيب دعاء السائلين، ويفرِّج عن المكروبين، ويعتق فيها جماعة من النار ويكتب فيها الأرزاق والأعمال.
ومن فضل الله تعالى ورحمته بعباده أن شهر شعبان تُرفع فيه الأعمال إلى الله.. وتحولت فيه القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة.. وهو أحب شـهور الصيام إلى رسـول الله.. تروض فيه النفس لاستقبال رمضان.. والمسلمون يقبلون فيه على المصاحف لقراءتها.
وجعل لهم أوقاتا يضاعف لهم فيه الأجر والثواب ، وجعل لهم مواسم يستكثرون فيها من الطاعات ويتزودون فيها بخير زاد ، عملا بقول الله سبحانه وتعالى : (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون ياأولى الألباب) (البقرة : 197)، وامتثالا لقول رسول الله عليه الصلاة والسلام: (إن لربكم عزّ وجل فى أيام دهركم نفحات ، فتعرّضوا لها، لعل أحدكم أن تصيبه منه نفحة لا يشقى بعدهاأبدا) (رواه الطبرانى فى الأوسط والكبير).

 

ففى هذه الأيام المباركة نعيش بين الحين والحين فى مناسبات دينية توقظ النائم وتنبه الغافل، وتهذب السلوك، فبالأمس القريب احتفلنا بذكرى الإسراء والمعراج تلك المعجزة التى اختص الله عز وجل بها سيد الخلق محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) وسجلها القرآن الكريم فى سورة الأسراء، واليوم نعيش بين يدي شهر شعبان المكرم ، الذي يتشعب فيه الخير وتكثر فيه النفحات الإلهية ، والعطايا الربانية ، شهر جعله الله تعالى مقدمة للخير وبداية لموسم الطاعات والقربات إلى رب العالمين سبحانه وتعالى، فهو شهر يستجيب الله تعالى فيه الدعاء، وتفتح فيه أبواب السماء، وترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فهو شهر عظيم كرّمه الله عز وجل ، وكرمه رسوله (صلى الله عليه وسلم).
فمن كرم الله عز وجل لهذا الشهر العظيم: نزول الأمر بالصلاة والسلام على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حيث نزل فيه قول الله تعالى: (إن الله وملائكته يصلون عل النبى ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) : (الأحزاب: 56)، فقد قال كثير من العلماء والمفسرين أن هذه الآية نزلت فى شهر شعبان.
ولقد وعد الله عز وجل من يصلى على عبده ورسوله سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بالخير الكثير والثواب الجزيل ، فعن أنس بن مالك (رضى الله عنه) قال: قال رسول الله: (من صلى علىّ صلاة واحدة، صلى الله عليه عشر صلوات، وحط عنه عشر خطيئات) (رواه البخارى فى الأدب المفرد) ، وزاد النسائى (ورفعت له عشر درجات).
ومن كرم الله تعالى لشهر شعبان: أن فرض فيه الصيام على ‘أمة الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) ، فقد فرض الصيام فى شعبان من السنة الثانية للهجرة النبوية. ومن كرمه أيضا، أن خصه سبحانه وتعالى برفع أعمال العباد كما أخبرنا بذلك النبى صلى الله عليه وسلم ، فالسعيد من يرفع عمله فى صحيفة بيضاء نقية ، والشقى من حرم الأجر والثواب ورفع عمله مشحونا بالسيئات.
أما عن تكريم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لشهر شعبان: فإن لهذا الشهر مكانة عظيمة ومنزلة رفيعة عنده فقد كان يخصه بمزيد من العبادة والطاعة، والتقرب إلى الله عز وجل، وكان يكثر فيه من الصيام، فسألوه أصحابه عن سر اهتمامه بهذا الشهر الكريم، فعن أسامه بن زيد (رضى الله عنهما) قال: قلت يارسول الله ، لم أراك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم شعبان، قال: (ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملى وأنا صائم) رواه النسائي فى سننه.
وإذا ما نظرنا إلى فعل النبى صلى الله عليه وسلم وكثرة صيامه فى شهر شعبان نجد أن السبب فى ذلك يرجع إلى أمرين:
الأمر الأول: أن هذاالشهر يغفل الناس فيه عن عبادة الله عز وجل ، لأنه يقع بين شهرين عظيمين ، شهررجب وهو من الأشهر الحرم التى يجتهد فيها الناس بالعبادة ويكثرون فيها من الطاعات ،وشهررمضان الذي أنزل فيه القرآن الكريم ويخصه الناس بمزيد من العبادة والتقرب إلى الله تعالى ، فيغفل الناس عن شعبان لوقوعه بين هذين الشهرين ، وتفتر الهمم عن العمل ، فيقصرون فى العبادة والطاعة فأراد النبى عليه الصلاة والسلام أن ينبه الناس إلى منزلة هذا الشهر الكريم ، وأن أفضل الذكر عندما يكون الناس فى غفلة عن ربهم عز وجل ،وأعظم الطاعات عندما ينصرف الناس عن طاعة مولاهم . وعن أنس بن مالك (رضى الله عنه) قال: قيل: يارسول الله ، أي الصوم أفضل؟ قال: (صوم شعبان تعظيما لرمضان) (السنن الكبرى للبيهقى).
الأمر الثانى: أنه شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، كما أحب النبى (صلى الله عليه وسلم) بقوله: (وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملى وأنا صائم).
ولعل الحكمة من رفع الأعمال فى هذا الشهر خاصة، أن شهر شعبان هو نهاية العام التشريعى من كل عام، إذ إن بدء نزول القرآن الكريم كان فى شهر رمضان وبه كان التكليف، وبآياته شرعت الأحكام، وعن طريقه عرف الحلال والحرام ، وبذلك يكون قد بدأ قلم التسجيل فى رمضان وينتهي العام التشريعي فى شعبان، وم ثمّ ترفع الأعمال إلى الله رب العالمين، فالسعيد من يرفع عمله وهو على طاعة وعبادة وعمل صالح لله عز وجل.
فليسارع كل مسلم إلى الأعمال الصالحة وخاصة فى أيام شهر شعبان ، وهى كثيرة ومتنوعة وأبوابها واسعة ، فمنها التوبة إلى الله عز وجل من الذنوب والآثام ، ومنها كثرة الصوم ، وصلة الرحم ، والعطف على اليتامى والمساكين ، والمحافظة على أموال الناس ودمائهم وأعراضهم، وحسن الظن بالناس والثقة فيهم ، وغيرها من أعمال الخير والصلاح التى لا يقوم بها إلا أهل الخشية من الله الذين يؤمنون بآيات الله وكلامه.
وبذلك يُعد شهر شعبان مدرسة يمارس فيها المسلمون ألوان الطاعةعلما وفقها وسلوكا وخصوصا ما يتعلق منه بالصيام والقيام ، حتى يكونوا مؤهلين للدخول فى رمضان الذى يعد جامعة كبرى لألوان الطاعات كلها ، من صيام وقيام وصدقة وتسبيح وذكر وقرآن ، وحتى يستغلوا هذا الشهر فىمحو سيئاتهم وغفران ذنوبهم ليلقى المؤمن ربه بصحيفة بيضاء نقية . شهر بهذا الخير والبركة حرى على كل مسلم أن يسارع فيه بالأعمال الصالحة تقربا إلى الله عز وجل ، وأن يبادر فيه باغتنام أيامه الفاضلة ، وأن يفتدى بهدي النبى (صلى الله عليه وسلم) فى شهر شعبان ، وليعلم أن العبادة فى وقت غفلة الناس يحبها الله تعالى ويثيب عليها أكثر من غيرها.

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق