سماحة الإسلام فى معاملة غير المسلمين

0 574

قراءة وعرض/ حسام قنديل

 

سماحة الإسلام في معاملة غير المسلمين أحد الموضوعات الثرية بالمادة العلمية، وقد حظيت باهتمام العلماء قديما وحديثًا، ومن ينظر في كتاب أحكام أهل الملل للخلال، وأحكام أهل الذمة لابن القيم مثلا يجد ذلك جليًا ظاهرًا، ويجد رصيدًا حضاريًا هائلاً تزخر به كتب الفقه الإسلامي في أحكام غير المسلمين. فالإسلام دين العدل والتسامح مع غير المسلمين، وقد أوصى الله تعالى في كتابه العزيز، وكذلك نبينا ﷺ في سُّنته بالمسالمين لنا مِن غير المسلمين خيراَ. وقد راعى الإسلام السماحة في معاملة المسلمين لغيرهم من أصحاب العقائد الأخرى، فقال تعالى:

(لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ  أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا  إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) الممتحنة ﴿٨﴾

فنرى في الآية كيف قرر الإسلام حماية أهل الذمة والمستأمنين ما داموا في دار الإسلام، حتى يتم التعاون بين عنصري الأمة، وقد أكد الإسلام على حسن معاملة غير المسلمين في مواطن كثيرة، وقال رسول الله ﷺ ألا من ظلم معاهدًا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ شيئًا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة. ويتضح ذلك أيضاً في فتح مكة حينما دخلها رسول الله ﷺ والمسلمون، وقد أتى إلى النبي سادة مكة       فقال لهم “ما تظنون أنى فاعلٌ بكم قالوا: أخٌ كريمٌ وابن أخٍ كريم، فقال قولته المشهورة والتي دان له بها أهل قريش من المشركين بعد فتح مكة، “اذهبوا فأنتم الطلقاء”.

وها هو عمر بن الخطاب يعيد التاريخ حينما فتح بيت المقدس، ووقَّعَ وثيقة بينه وبين سكان البلدة والتى ذكر جزء منها القس كولن تشابمان في كتابه “القدس لمن؟”، هذا هو الضمان الذى مُنح لسكان “آيليا” من قِبَل خادم الله عمر، فهو يُؤَمنُهم على أشخاصهم، وبضائعهم، وكنائسهم، وصلبانهم، وعلى عبادتهم بصفة عامة ولن تُصادر كنائسهم أو تُدمر. ولن تُفرض عليهم أي قيود في موضوع الدين، ولن يتعرض أحد منهم للمضايقة.

كما سجل المؤرخ  أنجليوس رابوبورت  في مؤلفه “تاريخ فلسطين” نظرة اليهود لتلك الوثيقة التى سجلها فقال “يجب أن نعترف بأن إعلانًا كهذا في بداية القرن الوسيط، وقد التزمت به كل الجيوش الإسلامية عامة هو إعلان حافل بالإنصاف، فهو يتنفس عدالة وتسامحاً، وما استطاع أباطرة بيزنطة ولا أساقفة الكنيسة أن يُعبِّروا مُطلقًا عن مشاعر من هذا القبيل باسم ذلك الذى دعاهم إلى دين الحب. فإن وثيقة كإعلان الخليفة كانت كفيلة بإحداث تأثير عميق، لا في روح اليهود فحسب، بل في روح نصارى سوريا وفلسطين، وبعضهم كان يعانى من الظلم والطغيان، في حين كان الآخرون يعانون من اضطهاد الكنيسة التابعة لدولة جَرَّاءَ ما يعتنقون من آراء دينية مختلفة، وكان الجميع يتحملون أغلال الموظفين وأعباء الضرائب الباهظة، ويتجدد الذكر مرة أخرى مع القدس، ولكن تلك المرة مع القائد المسلم صلاح الدين الأيوبى، والذى حررها تارة أخرى من أيدى الصليبيين. وفيما يُبيِّن جيمس ريستون بإيجاز الطريقة التي استرد بها  صلاح الدين مدينة القدس: “بالسلوك المثالي عندما تولوا المسئولية في القدس سنة 1187م، اكتسب صلاح الدين مديحًا كثيرًا باعتباره قائدًا حكيمًا، وبصفة خاصة بالمقارنة مع الدمار والفوضى اللذين أحدثهما الصليبيون الأوائل عند غزوهم هذه المدينة سنة 1099م، وبحمايته كنيسة القبر المقدس والمواقع المسيحية المقدسة الأخرى، وتسامحه مع الديانات الأخرى بقيت هذه الأمور عالقة بالأذهان لزمن طويل، ويبدو أن أعماله كانت تحدد ما المقصود من أن يكون المرء مسلمًا صالحًا، وبصفحهِ عن أعدائه، وأعمال الخير الأخرى التي عملها معهم احتفظ لنفسه إلى الأبد بسُمعة طيبة لإنسانيته وحكمته”.

كما ذكر سير توماس أرنولد في كتابه “الدعوة إلى الإسلام” بقوله: “وإذا نظرنا إلى التسامح الذى امتد على هذا النحو إلى رعايا المسلمين من المسيحيين في صدر الحكم الإسلامي، ظهر أن الفكرة التي شاعت بأن السيف كان العامل في تحويل الناس إلى الإسلام بعيدة التصديق”، وإنما كان يدفع الناس إلى الإسلام بقوة ويجذبهم إليه هي تلك العقيدة”. ويقول: “وقد نجد عوامل أخرى ساعدت على تناقص الشعب المسيحي في الحقيقة، ولكننا لم نسمع عن أية محاولة مدبرة لإرغام الطوائف من غير المسلمين على قبول الإسلام، أو عن اضطهاد منظم قُصد منه استئصال الدين المسيحي، ولو اختار الخلفاء تنفيذ إحدى الخطتين لاكتسحوا المسيحية بتلك السهولة التي أقصى بها (فرديناند، وإيزابيلا) دين الإسلام من إسبانيا، أو التي جعل بها  لويس الرابع عشر المذهب البروتستانتي مذهبًا يعاقب عليه متبعوه في فرنسا، أو بتلك السهولة التي ظل بها اليهود مُبعدين عن انجلترا مدة ثلاث مائة وخمسون سنة، وكانت الكنائس الشرقية في آسيا قد انعزلت انعزالًا  تامًا عن سائر العالم المسيحي الذى لم يكن فيه أحد يقف في جانبهم باعتبارهم طوائف خارجة عن الدين، ولهذا فإن مجرد بقاء هذه الكنائس حتى الآن ليحمل في طياته الدليل القوى على ما قامت عليه سياسة الحكومات الإسلامية بوجه عام من التسامح نحوهم.

وهكذا تستمر شهادات غير المسلمين في إثبات ما للإسلام من ميزات، وفى دفع ما لحق به من شبهات، فوجوه السماحة والتيسير في الدين واضحة؛ في عقيدته، فهي عقيدة سمحة، لا إكراه عليها، ولا تعقيد فيها، وفى عباداته فهي سمحة ومُيَسَّرة لا يريد الله أن يجعل على المؤمنين في الدين من حرج، وفى معاملاته، فهي معاملةٌ حسنة مع المسلمين وغير المسلمين، فالدين المعاملة.

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق