مشروع الدراسات الثقافية المقارنة.. منصة للتواصل والتفاعل بين البلدان العربية وشعوبها

0 701

متابعة- سارة عزالدين:

تم مؤخرًا تدشين صفحة (مشروع الدراسات الثقافية العربية المقارنة)، على منصة (فيس بوك)، وإطلاق البيان التأسيسي للمشروع الذي يوضح رؤيته وطموحه، وأشار البيان إلى عدة دراسات مرجعية توضح إطاره النظري والثقافي شملت دراسات لكل من د.حاتم الجوهري (مصر)، د.قاسم المحبشي (اليمن)، د.عمر كامل حسن (العراق)، وهي الدراسات التي تم نشرها هذه العام في كتاب الأبحاث الخاص بمؤتمر (المشترك الثقافي بين مصر وتونس.. الواقع والطموح)، والذي أقيم في 22 مارس، ورأسه ودعا إليه د.حاتم الجوهري أستاذ النقد والدراسات الثقافية المنتدب بالجامعات المصرية والمشرف على المركز العلمي للترجمة بهيئة الكتاب.

وقد تواصلنا مع عدد من المهتمين بالمشروع والفاعلين فيه، ومنهم د. حاتم الجوهري الذي قال: “تمر الذات العربية بلحظة تاريخية شديدة الحساسية على المستوى الوجودي، يعيد فيها العالم تشكيل نفسه شرقا وغربا، ولابد للدراسات الإنسانية والرؤى الثقافية أن تعبر عن حاجة المجتمع العربي للعبور بسلام وبصيرة للمستقبل، من هنا طرحنا مشروع الدراسات الثقافية العربية المقارنة بوصفه منصة قادرة على بناء التواصل والتفاعل بين البلدان العربية وشعوبها، وهو ما عبرنا عنه حينما أصدرنا كتاب مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر وتونس بعنوان: “فلسفة المشترك الثقافي.. نحو دراسات ثقافية عربية مقارنة”، لتتجاوز مذهب الدراسات الثقافية الغربية التي نشأت في بريطانيا واعتمدت فلسفة تفجير التناقضات والانتصار للهوامش.

وبدأت فكرة المشروع وظهرت للوجود منذ عام تقريبا مع فعالية (المائدة المستديرة للعلاقات الثقافية بين مصر والسودان)، سبتمبر العام الماضي، تلاها “مؤتمر المشترك الثافي بين مصر وتونس”، وقريبا نعلن عن فعالية جديدة بعد تدشين صفحة المشروع، وبيانه التأسيسي الذي عملت عليه نخبة عربية جادة لمدة قاربت الثلاثة أشهر، وكلي أمل أن يعمل المشروع كرافعة للذات العربية في القرن الحادي والعشرين”.

 

 

وفي السياق نفسه تواصلنا مع الدكتور قاسم المحبشي أستاذ فلسفة الحضارة ورئيس قسم الفلسفة السابق بجامعة عدن، والذي شارك في الفعالية الأولى للمائدة المستديرة، وفي الفعالية الثانية للمؤتمر، حيث قال: “صباح اليوم الأول من سبتمبر تم تدشين واطلاق صفحة مشروع الدراسة الثقافية العربية المقارنة وذلك بعد قرابة عام من البحث والحوار وتداول الرأي بين نخبة متميزة من مختلفة الاقطار العربية بشأن البحث عن فلسفة للمشترك الثقافي العربي واستنهاض المتون الحضارية العربية من زاوية رؤى عقلانية جديدة، ومفهوم المتون الحضارية يعد مفهوما جديدا في الدراسات الثقافية تمت صياغته بعد حوار طويل بين النخب الفاعلة.

ويعود الفضل في صياغته للأستاذ الدكتور حاتم الجوهري، ويأتي هذا التدشين في إطار التأسيس للمشروع الطموح الذي بادرنا بالتفكير والشروع به منذ عام مضى، وتجري الاستعدادات حاليا على قدم وساق لإنجاز المؤتمر الدولي الثاني عن المشترك الثقافي العربي بين مصر واليمن رؤى جديدة في المتون الحضارية، حيث نتطلع إلى تفاعل النخب الثقافية من مختلف البلدان العربي مع هذا المشروع الثقافي الجامع، وحينما تكون القاهرة هي الحاضنة لمستودع الهوية العربية الزاخر بالكنوز والموارد التراثية والثقافية القابلة لإعادة التوظيف في اللحظة الراهنة يكون للروافد معنى وقيمة وفاعلية.

 

 

ومن العراق تواصلنا مع الدكتور عمر كامل حسن أستاذ الجيوبولتك بجامعة الأنبار، والذي شارك في المؤتمر الأول، حيث قال: لاشك أن فكرة تأسيس مشروع الدراسات الثقافية المقارنة اليوم تشكل منعطفا ثقافيا بالغ الأهمية، في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها منطقتنا العربية في ضوء متغيرين، أسهما في تعويم الثقافة العربية ومحاولة طمس هويتها الجامعة، وهذين المتغيرين هما:

الأول يتمثل في تزايد حدة الصراع الكولونيالي على منطقتنا العربية لاسيما بعد الغزوة الكولونيالية على العراق عام ٢٠٠٣، و الثاني: يتمثل في صعود أو بروز الهويات الفرعية كبديل للهوية العربية الجامعة ونعني هنا بالهويات الفرعية هنا: الهويات الطائفية والدينية والمناطقية والقبلية والاجتماعية…الخ،

من هنا نجد أن الثقافة العربية تقف جماهيرا ومؤسسات ونخبة في موقع البحث عن طريق جديد واستراتيجية جديدة للمستقبل، لأن معظم المقاربات الثقافية العربية تراوح مكانها منذ فترة، إذا نحن في لحظة تاريخية تتسم بتحديات وجودية خارجية وداخلية ملحة تواجه العالم العربي وتنذر بتقسيمات جديدة لخارطته الجغرافية السياسية وخارطته الثقافية أيضا، بما يستتبع ضرورة الخروج بمبادرات معرفية لرفد وجود الذات العربية في مواجهة هذه التحديات.

 

ومن تونس تواصلنا مع الدكتور عبد الكريم براهمي أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة المنستير، والذي شارك في المؤتمر الأول، حيث قال: “يُعدّ مشروع الدّراسات الثّقافيّة العربيّة المقارنة مشروعا بحثيّا هامّا وضروريّا، بما أنّه يُعنى بالبحث والتّأسيس لدراسات ثقافيّة عربيّة مقارنة تقطع مع منهج الدّراسات الثّقافيّة المقارن غربيّ المنشأ الذي ساد منذ فترة ظهوره وشيوعه في القرن العشرين إلى أيّامنا الرّاهنة، وهو منهج يهتمّ بدراسة الهوامش وتضخيم التّناقضات والاختلافات الثّقافيّة بين المجتمعات، وكان من نتائجه تفجير مستودع “الهويّة العربيّة” أو تشظّي الهويّة العربيّة وخلق هويّات عربيّة متعدّدة.

 ويهدف البحث في الدّراسات الثقافيّة العربيّة المقارنة إلى اعتماد سياسة ثقافيّة عربيّة جديدة تتجاوز إرث الدّراسات الثقافيّة الغربيّة المقارنة، وتستعيد المشرك الثّقافيّ العربيّ الذي كان سائدا قبل تفجّر التّناقضات في القرن العشرين بمفعول الدّراسات الثّقافيّة الغربيّة.

وتهتمّ الدّراسات الثّقافيّة العربيّة المقارنة بالمشتركات الثقافيّة والتأكيد عليها وتفعيلها، والسّعي إلى تحويلها إلى أرضيّة فاعلة بين الدّول العربيّة، يمكن البناء عليها وتجسيدها في مخرجات ثقافيّة جديدة ومتنوّعة، ودمجها في حياة الشّعوب العربية وجعلها سمة رئيسيّة للسّياسات الثقافيّة العربيّة”.

وحين نعود إلى بيان التأسيس للمشروع نفسه الذي صدر يوم 1 سبتمبر مع تدشين صفحة المشروع نفسها على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، نجد أن نص البيان قد حمل التالي:

 الدراسات الثقافية العربية المقارنة: بيان الرؤية والطموح

 لم يكن مؤتمر (المشترك الثقافي بين مصر وتونس.. الواقع والآمال) المنعقد في القاهرة بشهر مارس 2022م والذي خرجت أعماله في كتاب بعنوان: (فلسفة المشترك الثقافي.. نحو دراسات ثقافية عربية مقارنة)؛ سوى الخطوة الأولى لتأسيس مدرسة علمية عربية جديدة ومجال بحثي جديد، يعتمد على منظور منهجي ثقافي نقدي في مقاربة الظواهر الثقافية واستشراف مستقبلها، مع طموحه في تفعيل السياسات الثقافية بين البلدان العربية بما يعزز المشترك الثقافي العربي.. خصوصا وأن المنطقة العربية قديما شهدت العديد من موجات الهجرة المتبادلة في شبه الجزيرة العربية والعراق وبلاد الشام وشمال أفريقيا وكذلك منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي.

وهي المنطقة التي تعتبرها الدراسات الثقافية العربية المقارنة مجالا حيويا لها بمفهوم “الجغرافيا الثقافية”، وتسعى للعمل فيه وتحقيق الفعالية الثقافية بحثا عن المشترك الثقافي والبناء عليه، وعلى مستوى الحضارة الإسلامية تنظر الدراسات الثقافية العربية المقارنة للذات العربية بمفهومها وحضورها الثقافي الواسع؛ كـ”ثقافة فعالة” في قلب تلك الحضارة، تتكامل معها ويرفد كل منهما الآخر.

وتنظر الدراسات الثقافية العربية المقارنة باهتمام إلى موضوع (التراث الثقافي غير المادي)، باعتباره المفهوم المعاصر الذي طرحته اتفاقية اليونسكو لعام 2003 (اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي) للتعبير عن الفلكور والموروث الشعبي المتنوع، وباعتبار هذا المجال المؤسسي من أهم المجالات التطبيقية المقترحة لحضور الدراسات الثقافية العربية المقارنة، ولكن وفق سياسة ثقافية جديدة تقوم على تطويع مسارات اتفاقية “صون التراث الثقافي غير المادي” لخدمة المشترك الثقافي العربي، وسياسات إعادة التوظيف..

ذلك على أمل أن تتحول هذه المدرسة العلمية الجديدة لقاطرة ثقافية فاعلة للعالم العربي في اللحظة الراهنة، التي تتسم بتحديات وجودية خارجية وداخلية حاسمة إذ تقف الثقافة العربية جماهيرا ومؤسسات ونخبةً في موقع البحث عن طريق جديد، لأن معظم المقاربات الثقافية العربية تراوح مكانها منذ فترة، سواء تلك التي تتمترس حول الآخر والذات الأوريبة وتُستلبُ إلى حاضره، أو تلك التي تتمترس حول الذات العربية وتتخندق حول ماضيها، فلقد وصلت مسارات القرن العشرين وإرثها الثقافي إلى مرحلة الانسداد وعجز الاستقطابات وتفجر التناقضات، مما يجعل من المجدي البحث عن طريق جديد للذات العربية يتجاوز التناقضات التي تفجرت، والاستقطابات التي أصبحت عبئا يكبل حاضره ويعيق تقدمه صوب المستقبل المنشود.

مع الإشارة إلى أن مسار الدراسات الثقافية العربية المقارنة يختلف جذريا عن فكرة “الدراسات الثقافية الأوربية ” التي قامت على الانتصار للهوامش والأطراف،  فبديلا عن طرح مشاريع كبرى للتعامل مع المجتمع الغربي ككل، اختاروا منهج البحث في الطبقات والعوامل الكامنة والفرعية وراء الظواهر الإنسانية وفيها، بهدف اكتشاف التمثلات الهامشية من أجل الانتصار لتلك الهوامش أيا كانت! حيث تحول الانتصار للهوامش وتمثلاته إلى أيديولوجية جديدة عند اليسار الأوربي واعتبرها نضالا وفق سياقه الخاص..

وكان تطبيق (الدراسات الثقافية) الأوربية في البلدان العربية يحمل الأزمات والفلسفة نفسها، دون نظر لسياق الذات العربية خاصة في اللحظة العالمية الراهنة التي يبحث الجميع فيها عن أشكال وفلسفات وسياسات جديدة للعبور للمستقبل، إذ ستكون الدراسات الثقافية العربية المقارنة على العكس من الغربية تبحث في المتون الحضارية العربية المشتركة من منظور منهج “التعدد والبينية” في أكثر من قطر عربي، وتعتمد على فلسفة المشترك الثقافي بديلا عن فلسفة البحث في الهوامش وتفجير التناقضات والاستقطابات..

 ويزخر العالم العربي بتراث حضاري وثقافي غني جدا ففيه نشأت نصف حضارات العالم القديم المزدهرة على الأقل، من جبال الأوراس إلى النيل والفرات واليمن وشبه الجزيرة العربية وما بينهم (الحضارة المصرية القديمة، والحضارة العراقية القديمة السومرية ثم البابلية والاشورية، وحضارات بلاد الشام القديمة الكنعانية والفينيقية، وحضارات الشمال الأفريقي والمغرب العربي الكبير، والحضارة اليمنية في جنوب الجزيرة العربية وغيرها).

كما كانت المنطقة مهدا للديانات السماوية الثلاث الكبرى (اليهودية والمسيحية والإسلام)، فضلا عن التنوع القومي والثقافي واللغوي المتوارث عبر الأجيال ليشكل “مستودع هوية” شديد الرحابة والتجاور والتعايش، في الفنون وأنماطها الآثارية والمعمارية والتشكيلية والادبية والغنائية، وفي العادات والتقاليد المتنوعة في الزراعة والري والحرف اليدوية والأمثال والأزياء والأطعمة وطقوس الأفراح والأتراح وغيرها، بما يشكل مادة خصيبة للأبحاث وللدراسات الثقافية العربية المقارنة التي تستدعيها اللحظة الحضارية الراهنة.

وتطرح هذه الدراسات الثقافية العربية نفسها في سياق ما يمكن تسميته بـ(دراسات ما بعد الاستقلال)، التي تختلف عن (دراسات ما بعد الاستعمار)، تلك التي كانت تتمحور حول جدل الذات المحررة مع الآخر المستعمر القديم، وذلك بالتركيز على جدل الذات العربية المحررة مع أنساقها الثقافية الداخلية والبينية.. بما يتجاوز المتلازمات الثقافية التي ارتبطت باعتبار (المسألة الأوربية) نظرية مطلقة للوجود ونهاية مركزية وكلية للتاريخ (بفلسفة رأسمالية أو شيوعية) والذين استلبوا لها، وكذلك تتجاوز الذين تمترسوا ضد المسألة الأوربية بمتلازمات ثقافية تستند إلى نظريات مطلقة مضادة بمسحة دينية (فرق الدين السياسي)، حيث تتحرك الدراسات الثقافية العربية المقارنة في فضاء جديد مغاير في عالم (ما بعد المسألة الأوربية)، متجاوزة الاستقطابات التاريخية إرث القرن العشرين.

وترى في القرن الحادي والعشرين العديد من اللحظات المفصلية الجديدة، التي من الممكن أن تتحول إلى رافعة ثقافية كبرى وسردية جديدة للإنسانية كلها، عبرت عنها الشعوب العربية في موجات ولحظات متكررة ومبشرة في القرن الجديد. مع التأكيد على أن هناك آفاقًا أكاديمية مستقبلية كثيرة مفتوحة أمام مجال الدراسات الثقافية العربية المقارنة في عمومه وإطلاقه، وهذه الآفاق والفرص المستقبلية ترتبط بدراسة الظواهر الثقافية والإنسانية إجمالا دراسة ثقافية تبحث عن أنساقها الكامنة ومسبباتها العميقة في مستودع الهوية الإنسانية الجامعة بطبقاته المتعددة والمتراكمة، إنما مع تقييمها أو معيرتها أو فلسفتها وفق معيار إنساني أو قيمي عام ينتمي لـ(القيم الإنسانية العليا) المشتركة عموما عند البشر أجمعين، و ليس تقييمها او معيرتها وفلسفتها وفقا لمتلازمات “المسألة الأوربية” وسياقاتها الخاصة التي ارتبطت بالانتصار للهوامش الحاضرة داخل ظاهرة ثقافية ما..

وتتقاطع الدراسات الثقافية العربية المقارنة أيضا مع الدراسات الحضارية الفلسفية، خاصة دراسة تاريخ الأنماط الحضارية في المنطقة العربية وفلسفاتها الكلية الحاكمة، ومقارنة تلك الأنماط الحضارية القديمة بالأنماط الحضارية في الموجات الحضارية الأوربية اللاحقة (اليونانية- الرومانية- الجرمانية) خاصة النمط الغربي الحالي بجذوره الجرمانية، والنظر في الكليات العامة التي حملت تلك الانماط للمستقبل بحثا عن استشراف أنماط حضارية فاعلة واختبار حضورها في البلدان العربية، وكذلك النظر في الأنماط الحضارية الشرقية خاصة في الصين واليابان، ودراسة أشكال التمدد والتوسع والهجرة والصعود فيما بين تلك الأنماط الحضارية.

ومن ضمن التطبيقات والمسارات المقترحة للدراسات الثقافية العربية المقارنة أن تنظر في مجال الصورة النمطية للذات العربية عند الآخر الدولي المتعدد ومصادرها، وأن تقدم النقد لهذه المصادر وتضعها في مقارنة مع الحقيقة والأصل، بالاستناد إلى عملية (الترجمة عن اللغة العربية للآخر)، والعمل على دراسة إشكاليات هذه الترجمة ومعوقاتها ومفاهيم الخطاب المقترح لتغيير الصورة النمطية للذات والآخر، من زاوية اهتمامها بتقديم خطاب جديد وترجمته للغات الأخرى عبر الاهتمام بنظريات الارسال والتلقي ومحددات استقبال الخطاب لكي يحقق خطابها الجديد الحجية والمنطقية والقدرة على الوصول إلى “الجمهور المستهدف” عند الآخر..

كذلك من ضمن اهتمامات الدراسات الثقافية العربية المقارنة البحث في أنماط إدارة (مستودع الهوية) عند الذات العربية، ودراسة أنماط الإدارة الحالية ومقارنتها بأنماط إدارتها التاريخية، ورصد مواضع الضعف واقتراح أنماط وسياسات جديدة في إدارة (مستودع الهوية) العربي برؤية تتجاوز استقطابات القرن العشرين وإرثه، وذلك على المستوى المحلي أو القطري وعلى المستوى الإقليمي وعلى المستوى العالمي..

 فعلى المستوى المحلي أو القطري تهتم الدراسات الثقافية العربية المقارنة بالتأكيد على سياسات التجاور والتعايش بين مكونات مستودع الهوية داخل كل قطر عربي وأن التنوع لا يمنع الوحدة في مشروع عام وجامع، يقوم على (المشترك الثقافي)، و(الفرز الطبيعي)، لأفضل عناصر المجتمع وتقليل أثر العوامل ومعايير التنخيب الفرز غير الطبيعية، بما يقلل من استقطابات المسألة الأوربية وتفجيرها للتناقضات التي صاحبت الدراسات الثقافية الغربية وتفجيرها للتناقضات في البلدان العربية.

وفي اتجاه إدارة تناقضات (مستودع الهوية) العربي وأنماطه على المستوى الأقليمي خاصة التدافع مع مكونات الهوية المتداخلة مع (مستودع الهوية) العربي؛ المتمثلة في التداخل والتدافع مع الحضور التركي والإيراني و(الصهيوني)، سوف تتحرك الدراسات الثقافية العربية المقارنة بفلسفة تميل إلى البحث عن أنماط مضادة للاحتواء الناعم للتمددات الإقليمية الناشطة على حساب مستودع (الهوية العربي).

وفي الوقت نفسه البحث عن أنماط مثلي للتعبير الأمثل عن مكونات “مستودع الهوية” العربي المتداخلة مع المستودعات الأقليمية الثلاثة الأخرى، بما يضمن لمخرجات الدراسات الثقافية العربية في هذا الشأن أن تتسم بالحجية والمنطقية وامتلاك قدرات التحديث وبناء (التراكم الحضاري) الناجع والفاعل.

وفي السياق نفسه وعلى مستوى إدارة (مستودع الهوية) العربي وأنماطه السائدة، والأنماط المقترحة والمستقبلية في علاقته بمستودع الهوية العالمي وتدافعاته الراهنة، خاصة مع الصعود الروسي ومشروع الأوراسية الجديدة ومع الصعود الصيني ومشروع طريق الحرير الجديد، فإن الدراسات الثقافية العربية المقارنة ستبحث في أنماط (التجاوز والتوازن) أي (أنماط التجاوز) لمستودع الهوية العالمي واستقطاباته بوصفه انعكاسا للمسألة الأوربية (وفكرة نهاية التاريخ ومركزيتها رأسماليا وشيوعيا) من جهة، ومن جهة أخرى أنماط التوازن مع المرحلة العالمية الراهنة واستقطاباتها والتأكيد على مصالح الذات العربية وقدرتها على تقديم مفصلية ثقافية عربية كامنة، يمكنها أن تتحول لشكل ثقافي عالمي يتجاوز شعارات المسألة الأوربية يمينا ويسارا.

ويمتد طموح مشروع الدراسات الثقافية العربية المقارنة إلى التأثير في بروتوكولات عمل المنظمات الثقافية التي تشارك فيه الدول العربية، سواء في “اليونسكو” على المستوى الأممي، أو “الإيسيسيكو” على مستوى الدول الإسلامية، أو “الألكسو” على مستوى الدول العربية نفسها، وفي الوقت نفسه الترويج لمشاريع تطبيقية لتفعيل منهج “الدراسات الثقافية المقارنة” العربية، والبحث في العناصر الثقافية المشتركة، والتأكيد عليها، والنظر في كيفية إعادة توظيفها واستدامتها، من ثم التمهيد لمشاريع طرحها للتداول على المستوى العالمي، في الاجتماعات الدورية والجمعيات العمومية للمنظمات الدولية ذات الصلة، والدعوة لمجال بحثي جديد في الدول العربية تحديدا تحت اسم “الدراسات الثقافية العربية” المقارنة، وتأسيس الكراسي العلمية بهدف تهيئة البيئة البحثية لنمو هذا المجال الجديد، والدعوة لدمج هذا المشروع في السياسات الثقافية العربية ودعمها.

 وفي الختام، تجدر الإشارة إلى مجموعة من الأوراق المرجعية لمشروع الدراسات الثقافية العربية المقارنة، خرج بعضها في المؤتمر الأول الذي عقد بعنوان: (المشترك الثقافي بين مصر وتونس.. الواقع والآمال)، وتحديدا في المحور الأول للمؤتمر الذي حمل عنوان: المشترك الثقافي العربي وتدافعاته النظرية، والذي قدم ثلاثة أوراقا مرجعية لكل من د. حاتم الجوهري رئيس المؤتمر، وعضوا اللجنة العلمية للمؤتمر د.قاسم المحبشي ود.عمر كامل حسن.

 وحملت الأوراق العنواين التوالية: (الدراسات الثقافية العربية المقارنة.. فلسفة المشترك الثقافي وتحدياتها)- “المشترك الثقافي العربي والنخب الثقافية في عالم متعدد الثقافات”- “السياسات الثقافية المقترحة لتعزيز المشترك الثقافي العربي”، كذلك بعض الأوراق البحثية التي نشرها د.حاتم الجوهري ذات الصلة المرجعية بالمشروع والتي تتعلق بـ: المسألة الاوربية، ودراسات ما بعد الاستقلال، وإعادة توظيف التراث، ونقد مسار الدراسات الثقافية الغربية.

اترك تعليق

يرجي التسجيل لترك تعليقك

شكرا للتعليق