“إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها” حديث نبوي شريف. هذا الحديث يجسد فلسفة الأمل الفاعل حتى في أقسى اللحظات، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يدع إلى انتظار نهاية العالم بيد مكتوفة بل إلى الغرس إلى العمل وإلى المقاومة.
وهكذا يجب أن تكون رؤيتنا للعالم مهما تعاظمت الأزمات فإن غرس الخير ممكن، بل واجب لأنه السبيل الوحيد لكسر حلقة اليأس وبناء مستقبل أكثر أمنا وخيرا واستقرارا ربما لم يعد من السهل اليوم أن نثق في أحوال العالم أو نعتقد بخيرياته وسط موجات متتالية من النزاعات الأزمات الاقتصادية والتغيرات المناخية والانقسامات.
والسؤال المهم الذي يجب طرحه هو: ماذا تفعل النظرة السلبية بنا كمجتمع وأفراد؟ وهل يمكن أن تكون جزءا من المشكلة بدلا من أن تكون استجابة منطقية لها؟ تغزو النظرة السوداوية عقول الكثير من الناس حيث تتكرس القناعة بأن كل شيء ينهار وأن المستقبل قاتم لا محالة. ويروج في الأحاديث اليومية وعلى منصات التواصل إلى أن الفساد لا يمكن محاربته والمؤسسات لا تتغير، وأن كل محاولة للإصلاح مصيرها الفشل.
يردد أفراد فى المجتمع: “البلد دي عمرها ما هتتعدل”، “الفساد أكبر من الكل”، “مفيش فايدة”. وهي عبارات تبدو واقعية في ظاهرها، لكنها تنتج جمودا داخليا يحول الإنسان من مشارك إلى ساخط سلبي لا يرى جدوى لأي معرفة أو وعي أو تفكير ويصبح متفرج على العالم من وراء زجاج قاتم يشبه ضحية دائمة لا ترى قيمة لأي عمل أو مجهود. ولكن ما الذي يحدث حين تتسلل هذه النظرة السلبية إلى الوعي الجمعي؟
ببساطة تتوقف المجتمعات عن الحلم، والتخطيط، والمشاركة .. ويفقد الناس ثقتهم في بعضهم ومع مؤسساتهم ويصبحون أكثر قابلية للتشكيك وأكثر عرضة لنظريات المؤامرة، وأكثر هشاشة أمام الفوضى. لذلك، فإن كسر هذه الحلقة يتطلب أكثر من مجرد بث رسائل إيجابية مؤقته، بل يتطلب مشروعا ثقافيا وأخلاقيا عميقا لمكافحة المعتقدات السلبية الزائفة، وإعادة بناء الوعي كقيمة ضرورية للبقاء. ومن المهم أن نُذكر أنفسنا كأفراد، وكدولة، بأن هناك ما يستحق الحفاظ عليه، وما يستحق الفهم، وما يمكن إدراكه وتطويره. وأن وعينا بالواقع هو أولى خطوات تغييره. فنحتاج إلى الحديث عن التجارب والمبادرات التي غيرت حياة الأسر في الأحياء الفقيرة عن المدارس التي بدأت تعمل بشكل أفضل، وعن الشباب الذين نجحوا رغم القيود. هذه ليست دعايات بل رسائل تصحيح للعدسة التي نرى بها الواقع.
والسؤال الذي يجب أن نذكره دائما هو: كيف تحدث تحولات واسعة في اهتمام المجتمع بالانتماء؟ وكيف نجعل الحديث عن التعليم الجيد أو العدالة الاجتماعية، أو الاستدامة البيئية، جزءا من الحوار اليومي، كما هو الحال في الحديث عن الغلاء أو الفساد؟ وهنا يأتي دور الإعلام، والتعليم، والمثقفين، والمؤسسات الدينية، والجامعات، والمجتمع المدني في تشكيل خطاب يرفض الاستسلام، لكنه أيضا لا يتعامى عن العوائق. الاعتقاد بأن الواقع قابل للتحسن ليس ترفا فكريا ولا خداعا بل هو خيار استراتيجي في سبيل النجاة. قد أكون مخطئا حين أرى أن “كل شيء سيئ” وربما أكون على صواب في أن هناك أزمات كبرى. لكن الأهم من هذا وذاك ماذا سأفعل؟ هل سأغرق في اللوم والعجز أم أختار أن أبدأ ولو بخطوة صغيرة في اتجاه التغيير.
الإيمان بقوة الوعي ليس سذاجة أو خطة مرحلة بل إيمان و مقاومة… والنظر إلى العالم كفرصة لا كمؤامرة وأن الأمل لا يرتبط بالنتائج السريعة بل بالنية والإرادة والاستمرار وأن بداية الطريق نحو مجتمع أفضل تمر دائما من بوابة الوعي..فلنلزم انفسنا بالوعي فريضة كالصلاة.